كيف ننشئ جيلاً قارئاً محبًا للُغته في عصرٍ تكنولوجيٍّ متعدد اللغات؟ قمنا في المقال السابق بالتطرق إلى حاجتنا لحلٍّ جذريٍّ مناسبٍ لجميع المشاركين في العملية التعليمية ليحدث #نقلة_نوعية في علاقة أطفال اليوم مع اللغة العربية. ولكن قبل أن نستطيع التوصل إلى هذا الحل يجب علينا دراسة تحديات تعليم اللغة العربية وأسباب تعثر الأطفال في تعلمها؟
تعرّفنا خلال ورشاتنا الاستكشافية التي أقيمت في العديد من الدول العربية، بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة الأمريكية، على تجارب أرض الواقع والتحديات المقرنة بها. لاحظنا تقارب هذه التحديات رغم التباعد الجغرافي، فحصرنا أكثرها شيوعاً
تحديات الأهالي
عدم إلمام بعضهم باللغة العربية: مما يشكل عائقا في قدرتهم على متابعة أطفالهم بالمنزل
ضيق وقت الأهالي فيصعب عليهم التوفيق ما بين العمل والبيت والواجب المنزلي لجميع المواد وجميع الأشقاء أيضا
تحديات الأطفال – منظور المتعلمين
تمحورت أكثر الصعوبات في تعلم اللغة العربية حول تعلم القراءة والكتابة. وكان من أهمها:
إتقان مهارة التعرف على صور (شكل) الحرف في أماكنه المختلفة من الكلمة: على سبيل المثال اختلاف صور حرف الهاء (هـ، ـهـ، ـه، ه)
التمييز ما بين الحروف المتشابهة نطقا أو كتابة: كالكاف والقاف أوالسين والشين. ويعود سبب التشابه في النطق لتقارب بعض مخارج الحروف من بعضها، كما هو موضح بالشكل أدناه
التمييز ما بين الأصوات القصيرة والطويلة: فَالطلاب يستصعبون النطق والتفرقة ما بين (مَ) و (ما) على سبيل المثال
التحديات الخفية
لقد كشفت تجاربنا العملية عن تحديات خفية. أولًا، تقوم حصص اللغة العربية التقليدية بتقديم الحرف بحركاته القصيرة الثلاث في حصة واحدة وفي آنٍ واحد. فعلى سبيل المثال، يتم تقديم حرف الباء كالتالي: (بَ بُ بِ). فتخيل عزيزي القارئ بأنك على وشك تعلم لغة جديدة. على سبيل المثال: تمثل الرموز ( ) و ( ) و ( ) حرف الباء مفتوحاً (بَ)، وحرف الباء مضمومًا (بُ) وحرف الباء مكسوراً (بِ) بالتتالي. لاحظ عزيزي القارئ بأننا قدمنا شكل الرمز وصوته بالحركات الثلاث في آن واحد. وهنا تكمن الصعوبة! فنحن مازلنا نقوم بتعليم أكثر من مهارة في حصة واحدة: ندرّس الحرف مع التشكيل (بَ، بُ، بِ) ونتوقع من الطالب التمكن من هذه المهارات في نهاية الحصة (ناهيك عن صور الحرف المختلفة)
علاوة على ذلك، تستخدم الطرق التقليدية استراتيجية دفن الحرف ما بين أحرف أخرى لِتدريب الطالب على الحرف المُقدم. مما يربكه ويشعره بعدم مقدرته على القراءة وعلى صعوبة ما يُقدم له. فإذا أوكلت إليك مهمة إيجاد (بَ) في كلمة
سوف تجدها مهمة أصعب مما تصورت.()
الحاجة أم الاختراع
من هنا اتضحت لنا ثغرات النماذج المستخدمة حالياً. ويجدر بالذكر، بأن النموذج هو الخطة التي يمكن استخدامها في تشكيل المناهج، وتصميم المواد التعليمية، وتوجيه التدريس في الصف . ويجدر بالذكر بأن النماذج الحالية أنتجت طلابًا قد وصلوا إلى المرحلة المتوسطة بدون إتقان القراءة، وبل يكرهها العديد منهم بسبب صعوبتها عليهم. ومن المحزن أيضاً، أن نجد بعض الطلاب يحفظون النصوص الأكاديمية ليتمكنوا فقط من تحصيل العلامات والنجاح في المادة. نحن في أمس الحاجة إلى ابتكار نموذجًا يولد عند الطلاب شغف الذهاب إلى المكتبة للاستمتاع بقراءة قصص وشِعر ونثر لغتنا العريقة؟
إن أهم الابتكارات في اللغة العربية تتمحور حول إضافة النقاط والتشكيل لِلحروف، وذلك لتبسيط عملية قراءة القرآن الكريم على الناطقين بغير اللغة العربية. ولقد قام سيبويه، عالم اللغة العربية الشهير، بتغيير ترتيب الحروف وفق مخارجها وأصواتها. حيث يُستخدم هذا الترتيب لمعرفة خصائص أصوات الحروف العربية. ولكن، لا يوجد أي ابتكارٍ جذريٍ لتبسيط عملية تعليم القراءة لجيل اليوم
من هنا تبلورت رسالة رحلتنا لنمكّن أطفال اليوم من تعلّم القراءة بطريقةٍ مبسطةٍ ومسرّعة وممتعة لنغرس حب القراءة واللغة العربية في قلوبهم. واضعين نصب أعيننا حصر عملية “تعلم القراءة” للمرحلة الابتدائية كي يتمكن الطلاب من البدء بعملية “القراءة للتعلم” قبل الانتقال إلى المرحلة المتوسطة. وهذا ما نصبوا إليه بهذه النقلة النوعية
ولكن ما هي ملامح الابتكار اللازم لتحقيق هذه #النقلة_النوعية في نماذج تعليم القراءة والكتابة باللغة العربية؟ تابعونا في المقال القادم