التعلم التشاركي الحاسوبي: خصائصه وإيجابياته

التقنية الناشئة وتكنولوجيا التعليم September 09, 2015

يندرج هذا المقال ضمن سلسلة من ثلاثة مقالات كتبها الدكتور علي الموسوي لموقع وايز وناقش فيها موضوع التعلّم التشاركي الحاسوبي من حيث إيجابياته وخصائصه، كيفية تقويمه وتطبيقه عارضا فيها العوامل الأساسية لبناء بيئة تعلّم تشاركيّ حاسوبيّ فعّال.

 

مقدّمة

 
إن التعليم بطبيعته نشاط اجتماعي تعاوني. حيث أشار الباحثون إلى التأثيرات الإيجابية للتفاعل التشاركي أثناء عمليات التعلم والتعليم، من حيث أنه يذكي النشاط والدافعية ويجعل التعلم أكثر ملامسة للواقع. وكما شهد العديد من التربويين، فإن وضع اثنين من الطلاب معا، لا يؤدي تلقائياً إلى بناء المعرفة التشاركية. إذ يجب أن تكون بيئة التعلم بما فيها من أنشطة وأدوات ومصادر وتقييمات منتظمة أو مدونة لتوفير أفضل دعم ممكن، خاصة بالنسبة للذين لم يألفوا طرق بناء المعرفة التشاركية، بوجود المعلم، أو عبر أنشطة المقرر التدريبية، أو عبر أدوات برامج التعلم التشاركي المدعوم بالحاسوب والذي عرف لاحقا بالتعلم التشاركي الحاسوبي أو Computer Supported Collaborative Learning.
  
بشكل عام، يمكن تعريف التعلم التشاركي الحاسوبي بأنه مدخل تربوي تتم فيه عملية التعلم بواسطة التفاعل الاجتماعي عن طريق استخدام الحاسوب أو عبر شبكة الإنترنت، مما يؤدي إلى تشارك المعرفة وبنائها بين الطلاب باستخدام وسائل التكنولوجيا للاتصال بينهم في الصفوف التقليدية أو الالكترونية بشكل متزامن أو غير متزامن.  
 
وقد أعطت التكنولوجيات الالكترونية التشاركية فرصا كبيرة لإيجاد بيئة لفهم وإثراء خبرات التعلم والتأمل فيها. إذ توضح البحوث أيضا أن الطلاب يدرسون بصورة أفضل عند استخدام هذه التكنولوجيات من زملائهم الذين يتعلمون في الصفوف التقليدية.  ويمكن للعديد من أدوات الإنترنت دعم التشارك والتعاون بين الطلاب. ويستخدم التربويون في العديد من مقررات التعليم اليوم، على سبيل المثال، أدوات الويب من الجيل الثاني مثل: المدونة، والموسوعات الإلكترونية، والشبكات الاجتماعية لدعم التعلم التشاركي الحاسوبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من نظم إدارة التعليم المعروفة تتضمن منتديات للمناقشة وغرف للدردشة توفر فرصا للتشارك بين الطلاب. وينصب الاهتمام في هذه البيئات التكنولوجية على اختيار الأداة المناسبة من بين الأدوات التي ذكرناها أعلاه وغيرها مما يندرج ضمن خانتين كبيرتين: خانة أدوات التواصل المباشر أو المتزامن (synchronous tools) وخانة أدوات التواصل غير المباشر أو غير المتزامن (asynchronous tools) والتي تساهم جميعا في صناعة بيئة التعلم التشاركي الحاسوبي وتوفيره للأساتذة والطلاب.
 

إيجابيات وسلبيات أدوات التواصل المباشر وغير المباشر

 
تمكّن الباحثون بمساعدة التربويين وعبر التطبيق المباشر من التعرّف على الإيجابيات والسلبيّات الرئيسية لتوظيف أدوات التواصل  المباشر وغير المباشر في البيئات التعليمية التشاركية.
 
فعلى سبيل المثال، تسمح الأدوات المباشرة للأساتذة والتلاميذ بتحقيق التعاون الفوري والحصول على استجابات وردود فعل بشكل آني. كما أنّ معظم هذه الأدوات تكون إمّا مجانية أو منخفضة التكلفة وتسمح بتحقيق الاستفادة القصوى من التواصل الفردي (one to one communication) الذي يمكن أن يحصل عبر الفيديو الذي يترك مكانا أيضا للتفاعل مع لغة الجسد ونبرة الصوت. كلّ ذلك يحفّز الطالب ويزيد من تقيّده بالمحتوى الدراسي وتفاعله الاجتماعي مع الآخرين. إلا أنّ هذه الأدوات لا تخلو من العيوب أيضا، فقد يقتصر التعاون والتفاعل أحيانا على إتمام المهمات فقط بدلا من تبادل الخبرات وتوسيع الآفاق والتفكّر المشترك. ويعتمد التواصل المباشر أحيانا على الرسائل الفورية بدلا من الفيديو مما لا يفسح مكانا لنبرة الصوت ولغة الجسد اللتان تشكلان جزءا عضويا من عملية التواصل. ويبقى هذا التعاون رهنا دائما بالتكنولوجيا وبتوفّر الإنترنت وينقطع فور طروء أي عطل تقني. كما أنّه لا يسمح بالتوثيق ويتطلّب التزاما كبيرا من قبل المتعاونين الذين لا يستطيعون إجراء أكثر من جلسة تواصل واحدة في الوقت نفسه.
 
أمّا أدوات التواصل غير المباشر فمن أهمّ مزاياها أنّها تبقى متاحة في أيّ وقت وأي مكان ويمكن أن تتضمن مجموعة متنوعة من وسائل التواصل. كما أنّها تسمح بتوثيق عملية التعاون من خلال التكنولوجيا السحابية وتفتح المجال لتواصل الفرد مع فرد أو مجموعة من الأفراد. وهي تترك مجالا أكبر للتفكير ممّا يسمح للجميع بالمشاركة في النقاش، الأمر الذي يحقق توزيعا أكثر توازنا بين المتعاونين ويتيح فرصا أكثر للطلاب من أجل تبادل وجهات النظر المختلفة ويجنّب الأساتذة السلوك الصفي غير المرغوب فيه. إلّا أنّ هذه الفئة من الأدوات لا تتيح مجالا لردود الفعل الفورية وتزيد من صعوبة تتبع التعاون بسبب كثرة المراسلة الإلكترونية وتشعبها. كما يمكنها أن تكون مكلفة جدا. وهي تتطلّب تنظيما جادا من قبل الطلاب بهدف تبويب المعلومات والبحث فيها وعدم فقدانها. كما أنّها تفتقر في كثير من الأحيان إلى “الوجود الاجتماعي” الحقيقي الذي قد ينعكس بسوء تفسير الأفكار المكتوبة وفي تدني التزام المتعلّم الذي قد يشعر أنّه أقل انخراطا في العملية التعليمية بسبب تأخر زمن المشاركات أو الأسئلة. كما أنّ هذه الأدوات قد تفتح المجال لمساهمة غير نظامية أو غير متسقة من قبل الأفراد مما يؤثر سلبا على ثراء النقاش والتعلم.
 

كيف تتفوّق الصفوف الالكترونية على الصفوف التقليدية؟

يرى الباحثون أنه باستخدام التعلم التشاركي الحاسوبي المدمج أي عبر إتاحة أدوات التواصل المتزامن وغير المتزامن في آن واحد، فإن الصفوف الالكترونية تتضمن الكثير من منظورات الصفوف التقليدية. فبدلا من أن يكون للطالب صوت واحد كما هو الحال في الصفوف التقليدية، فإن الطالب والمعلم يعلقان تعليقات تساعد بصورة مشتركة المجموعات التشاركية لتحسين تعلمها بمرور الوقت عبر التراكم المعرفي وإعادة تصميم المعرفة. ويمكن للطلاب رؤية الكيفية التي تقود بها أفكارهم عملية تحسين التعلم، مما يؤكد لهم أهمية مساهماتهم خاصة مع حصولهم على درجات المشاركة الصفية. فقيام الطالب بإرسال رسالة ما أو عرض من عروضه التعلمية لا يعني أن يكون ذلك نهاية المطاف؛ فالمشارك بالتعليقات يتوقع أن يعكس زملاؤه محتوى رسالته وعروضه التعلمية في أفكارهم واقتراحاتهم المستقبلية أو على الأقل يتوقع أن يقوموا بإبداء الرأي سلبا أو إيجابا حول أفكاره ومقترحاته وبإعطاء أسباب جيدة إزاء ذلك.
 
وتركّز الأفكار والمقترحات على عناصر بعينها، ولكن ذلك لا يعني عدم تضمين معلومات مفيدة عن خلفيات تلك العناصر مثل القراءات السابقة حولها أو حول محتوى المادة أو حول التفضيلات الشخصية أو التفاعلات أو الخبرات السابقة في استخدام بيئة التعلم التشاركي الحاسوبي. وربما يقوم المعلم والطالب بالرجوع إلى مسائل أو أفكار أو محادثة أي طالب آخر عند قيامهما بكتابة التعليقات وإجراء المقارنات. ويمكن اقتطاف أي من تلك الأفكار لضرب الأمثلة حول ممارسة المجموعات التعلمية السلبية والإيجابية.
 
وبما أن أدوات برامج التعلم التشاركي الحاسوبي تجعل كل من المحادثة والنقاش متوفرا لأغراض الدراسة والمراجعة والاختبار، فمن السهل الحديث عن التطور التدريجي لعملية التعلم والتعليم من خلال التمثيل المادي بالتعليقات المتواجدة فعلا أمام أنظار الطلاب وعلى شاشات حواسيبهم.  فالتعليقات والرسائل تبقى متوفرة ومؤرشفة مما يجعل من الممكن القيام بقراءتها خلال فترة المراجعة، وهذا يعني إنه من الممكن القيام بإجراء مقارنات متعددة للمعلومات التي تم طرحها لتقييم التحسن المقترح في الأهداف التعليمية ومدى انتفاع الطلاب منها.
 
ويتدعم الاتصال بين المعلم والطلاب بصورة كبيرة باستخدام أداة لوحة المهام التشاركية في برامج التعلم التشاركي الحاسوبي حيث تتم الإجابة على الأسئلة الاعتيادية مما يقلل من مستوى تدخل المعلم في عملية التعلم. ويتم تسهيل الاستفادة من تكوين المجموعات التشاركية واختيار المواد وتعيين مواضيع التعلم والعروض بصورة كبيرة باستغلال أدوات برامج التعلم التشاركي الحاسوبي. وبصورة أساسية فإن الطلاب يصبحون قادرين على التنظيم الذاتي لأنهم واعون بما يقوم به الطلاب الآخرون. ويحدث التفاعل داخل المجموعة وبين المجموعات حيث أن أدوات برامج التعلم التشاركي الحاسوبي تمكّن المعلم من مراقبة هذه الخاصية بالإضافة إلى قدرته على الانخراط في المناقشات عند الضرورة.
 

الخلاصة

نهاية، فإن التطوير المستمر للتكنولوجيا وتطبيقاتها يعتبر أمرا مهما إذا ما أريد به استغلال فرص توزيع التعلم. ويمكن الاستمرار في دعم التكنولوجيا المصممة بصورة خاصة لدعم النماذج المتزايدة من التفاعل. وبصورة أكثر أهمية، فإنه إذا ما تم تطوير هذه التكنولوجيا لخدمة أهداف تربوية مناسبة، فإنها لا تقدم كوسيطة للتعليم فقط وإنما ستعضد بقدرتها على ربط التفاعلات بين الطلاب، والحصول على المصادر التعلمية، وتعليم هذه الخبرات المشتركة وتأملها. وبهذا المفهوم فإن هذه التكنولوجيات لا تخدم فقط كأدوات اتصال تحاول توسيع بيئة التعلم والعمل التشاركي، ولا كمكونات آلية تم تصميمها للتفاعل مع الطلاب بطرق معينة، وإنما سيتم استخدامها لخلق بيئات تعلمية داعمة تحفّز بمجموعات ذات أهداف تعلمية مشتركة.
 

في المقال القادم، سنتطرّق إلى أثر التعلّم التشاركي المدعوم بالحاسوب في الطلّاب وإلى دوره في مساعدتهم على اكتساب مهارات مختلفة كالتفكير الإبداعي وإدارة الوقت والتفاعل الاجتماعي. سنقوم كذلك بتفصيل العوامل الخمس الأساسية التي قد تؤدي إذا ما أحسن توظيفها إلى زيادة أثر التعلم التشاركي الحاسوبي في الطلاب. فإلى اللقاء في المقال القادم إن شاء الله.