تطلق الأمم المتحدة على أزمة اللاجئين السوريين “أكبر أزمة إنسانية في عصرنا الراهن”. وفي هذا السياق، تقع مشكلة واحدة في قلب الأزمة: الجيل التائه من الأطفال الذين أجبروا على ترك منازلهم بسبب الحرب، وتعذبت أرواحهم وضاعت آمالهم ولم يحصلوا على أبسط حقوقهم الأساسية: التعليم.
ورغم أن الفائدة الكبيرة للتعليم المبكر وعائداته الاستثمارية الأكيدة حقيقة واضحة وضوح الشمس إلا أن ذلك النوع من التعليم هو من بين أكثر البرامج إهمالا في العمل الإنساني والإغاثي، إذ يذهب أقل من 2 بالمئة من التمويل إلى التعليم، وأقل القليل من هذه النسبة توجه إلى تعليم صغار الأطفال.
ويعاني ملايين الأطفال المتضررين من النزاع والتشرد مما يعرف “بالإجهاد الضار “وهو دورة متسارعة من الصدمات النفسية والعنف وعدم الاستقرار والإهمال تعطل نمو أدمغتهم، مما يسبب معاناة فورية فضلا عن عواقب اجتماعية واقتصادية مدمرة حتى مرحلة البلوغ.
والخبر السار هو أن العلم يخبرنا بأن التدخل في السنوات الأولى من حياة الطفل يمكن أن يؤدي في الواقع إلى عكس آثار هذا “الإجهاد الضار”؛ فالتعليم المبكر والرعاية الغذائية يعززان ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذواتهم، ويساعدان الأطفال على الشفاء من الصدمات الناتجة عن الأزمات.
شراكة جريئة بحلول جريئة
“شارع سمسم” و”لجنة الإنقاذ الدولية” (آي أر سي) دخلا في شراكة حول مبادرة جديدة لتلبية الاحتياجات التعليمية لأطفال اللاجئين السوريين في الشرق الأوسط، وسيقومان معا بإنشاء وتقديم مجموعة من الموارد التعليمية المحددة ثقافيا لمنح هؤلاء الأطفال المرونة والمهارات التي يحتاجونها للازدهار، ومساعدتهم على تخفيف “الإجهاد الضار” الذي يعانون منه.
هذا البرنامج مبني على نتائج عقود من التجارب العلمية في مجالات الاقتصاد، وتنمية الطفل، وعلم الأعصاب. ومن الضروري توجيه برامج الطفولة المبكرة إلى الآباء ومقدمي الرعاية المباشرة في السنوات الأولى من الحياة، حتى يتمكنوا من جذب الأطفال الأصغر سنا بفعالية. ويجب عليهم التركيز على المهارات الاجتماعية العاطفية في رياض الأطفال، كأساس لمحو الأمية وتعليم الحساب، لهذا السبب نقترح تدريب المعلمين ودعمهم. وللوصول إلى المستوى المطلوب، يجب عليهم أن يكونوا على اتصال دائم بالأطفال وأولياء الأمور عبر مجموعة واسعة من نقاط الاتصال: وسائل الإعلام، والمنزل، والتجمعات الصغيرة، والمراكز الصحية، ورياض الأطفال.
تأسس “شارع سمسم” في الولايات المتحدة العام 1969 على فكرة أن التلفزيون يمكن أن يستخدم للأخذ بيد الأطفال المحرومين داخل المدن وإعطائهم نفس المميزات التي يحصل عليها أطفال الشريحة العليا من الطبقة الوسطى في الضواحي. وكان له عظيم الأثر على المهارات المعرفية والاجتماعية للأطفال المحرومين حتى إنه تم تشبيهه ببرنامج “هيد ستارت” الحكومي، الاختلاف فقط أنه كان أكثر فعالية من حيث التكلفة من البرنامج الحكومي. وسوف نفعل نفس الشيء للأطفال النازحين من خلال جلب وسائل الإعلام العربية التعليمية وتوفير الموارد، عبر شخصيات محلية وقصص وحكايات تعكس تجاربهم.
أما “لجنة الإنقاذ الدولية” (آي أر سي) فقد أنشأها عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين لإنقاذ اليهود الأوروبيين في الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين وهي تستجيب لاحتياجات الناس والمجتمعات المتضررة من الصراعات في جميع أنحاء العالم. وهذا المركز لديه سجل حافل من تقديم برامج التعليم والخبرة الفنية في أزمات طالت 1,2 مليون طفل لاجئ في العام 2016 وحده، ويعود هذا النجاح لتجذر المركز بعمق في مجتمعات الشرق الأوسط، وإلى الثقة التي يوليها له مقدمو الخدمات المحلية.
كيف يعمل هذا المشروع؟
لنأخذ على سبيل المثال عائلة بسيطة، سواء أكانت تعيش في مخيم لاجئين أو في حي حضري. هذه العائلة بعد استيقاظها تشاهد محتويات برنامج “سمسم” على شاشة التلفاز أو عبر الهاتف الجوال، وهما وسيلتان منتشرتان بكثرة في المنطقة. ثم عندما تقوم الأسرة بزيارة أحد المرافق الطبية أو المراكز الاجتماعية مع أطفالهم؛ فإن الأطفال سيمارسون القراءة أو بعض الألعاب بينما يتلقى الآباء نصائح مهمة بخصوص التربية.
وبعد العودة إلى المنزل سيستخدم مسئولو الرعاية الصحية المدربون محتوى برنامجنا لإعطاء نصائح تربوية وشرح أساليب تخفيف الإجهاد. وإذا كان الأطفال يحظون بقدر كاف من حسن الحظ والحصول على تعليم ما قبل مدرسي رسمي أو ينتظمون في أحد مراكز رعاية الطفولة فإن مدرسيهم سيكونون على دراية بالمحتويات والكتب والأنشطة المتعلقة بالأساليب المبتغاة. وقبل الذهاب إلى النوم يقوم الآباء بإسماعهم بعضا من الموسيقى أو يقرأون لهم بعض الكتب أو يروون لهم قصصا.
ولسوف نحقق بذلك نتائج قابلة للقياس في التخفيف من “الإجهاد الضار” وتحسين القدرات اللغوية لدى الأطفال ومحو أمية القراءة والحساب وكذلك تجويد مهاراتهم العاطفية الاجتماعية. وبهذه العملية سنضع المعايير التي ستطبق على ملايين الأطفال الذين شردتهم الحرب حول العالم وخلق نموذج يسهل تطبيقه في الأزمات المستقبلية والتي نعرف أنها ستتكرر للأسف الشديد في المستقبل. وهذا الأمر يمكن تحقيقه بفضل منظمتين عظيمتين يشتركان في الدفاع عن نفس القضية.
ويوفر التعليمويوفر التعليم مفاتيح لمستقبل بمقدور اللاجئين فيه إيجاد حلول لأنفسهم ولمجتمعاتهم المحلية. ونحن بحاجة للوصول إليهم عندما يكونون صغارا، ونحن بحاجة إلى القيام بذلك الآن. وإذا أهملنا هذه المهمة، سنفشل في تعزيز السلام والازدهار لنا جميعا.