- هلّا أعطيتنا لمحة عن مسيرتك كرائد أعمال اجتماعي؟
يمثل التقارب بين هذه التجارب، التي قد تبدو غير مترابطة، شغفاً لي بفضل القوة الفريدة التي يمتلكها الابتكار في مجال الأعمال وقدرته الهائلة على إيجاد الحلول للتحديات التي نواجهها، سواء كانت اجتماعية أو بيئية أو اقتصادية.
ببساطة، هناك قاسم مشترك بين الأعمال التي أختار الانخراط فيها، وهو المغزى مما تقدمه والهدف السامي الذي تسعى له. المشكلة التي أراها اليوم في الأعمال التجارية لا تتعلق بكونها غير أخلاقية، بل بعدم إدراكها للبعد الأخلاقي من الأساس، أو عدم اكتراثها بصواب أو خطأ نشاطاتها. أؤمن كل الإيمان أن الفقر ليس مجرد نقص المال، بل هو نقص في الشعور بالمغزى والهدف. لذا أعتقد أن الأعمال التجارية التي تخلو من هذا الشعور هي أعمال فقيرة، بصرف النظر عن مقدار الأرباح التي يمكن أن تحققها.
ازداد الوعي بهذا الموضوع في زمننا الحاضر، فأصبحنا نشهد محاولات للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بكيفية إيجاد مسار جديد يدرك أهمية الأسس غير المادية في تحقيق الرفاه والموازنة بين احتياجات البشر وإشباعها، وذلك ضمن حدود ما تستطيع الطبيعة أن توفره على أساس مستدام. وبما أن قطاع الأعمال يعد رائداً في التفاعل مع الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم بصورة يومية، لذا فهو يمتلك القدرة على أن يكون عامل تغيير جذري خلال هذه المرحلة غير المسبوقة في تاريخ البشرية.
يسرني أن أشهد عدداً متزايداً من الشركات التي تتبنى شيئاً فشيئاً هذا الاعتقاد بأن وجود غاية اجتماعية هو في النهاية ميزة تنافسية في ظل التغيرات السريعة والمستمرة التي نشهدها اليوم، وأن هذا الهدف يتماشى مع النمو المربح. وبالتالي، تتزايد أهمية الغاية الاجتماعية بصفته الهدف النهائي للشركة متجاوزة أهمية الربح، وذلك لأن مجتمع الأعمال بات يدرك أن الربح نتيجة وليس هدفاً، إذ أن الربح يعتبر من أعراض النجاح وليس من مسبباته.
باختصار، أعتقد بوجود عقد اجتماعي متجدد بين قطاع الأعمال والمجتمع، يمثل صحوة تؤدي إلى منظور أوسع وصورة أوضح للدور المهم الذي تلعبه الشركات في العالم، وبالتالي يتزايد عدد المديرين التنفيذيين الذين يرغبون في تحقيق المزيد من الربح الجيد؛ أي الربح الحقيقي والشامل والمسؤول والدائم.
- ما هي الاستراتيجيات الرئيسية التي تساعد رواد الأعمال في إدارة مشاريعهم بنجاح؟
تتميز منطقة الخليج العربي بعدد من المبادرات التي توفر فرص التواصل والتوجيه لرواد الأعمال، ولكن من المهم جداً أن نواصل تعزيز هذه المبادرات بهدف الحفاظ على ثقافة ريادة الأعمال وتنمية قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة.
- تبذل جهود كبيرة في جميع أنحاء المنطقة بهدف تشجيع رواد الأعمال الشباب. برأيك، ما هي الاستراتيجيات الأكثر فاعلية لدعم رواد الأعمال الشباب؟
كما يخطو القطاع الخاص خطوات كبيرة نحو سد الفجوة التمويلية من خلال رأس المال الاستثماري (رأس المال المخاطر) والاستثمارات المبكرة وحاضنات الأعمال، والتي ساهمت في نجاح العديد من الشركات الإقليمية الصغيرة مثل سوق دوت كوم و”كريم” و”نتوورك إنترناشونال”. كما تصدرت أشكال دعم مالي جديدة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة طليعة جهود التمويل، ومنها منصات التمويل الجماعي كمنصة “أفلامنا”، وأسواق الإقراض بين النظراء كسوق Beehive.
وتساعد منظمات مثل “إنديفور”، والتي أتشرف أن أترأسها في دولة الإمارات، والقمة العالمية للابتكار في التعليم WISE، في صقل مهارات قادة أعمال مسؤولين وناجحين يستطيعون التأثير في بيئة ريادة أعمال على المدى الطويل في منطقتنا. وتربط هذه المنظمات بين عدد من قياديي الأعمال الأكثر إنجازاً وابتكاراً في المنطقة وبين الشركات الواعدة والمؤثرة ليقوموا بإرشاد هذه الشركات من خلال نهج قائم على الحاجة يستهدف مساعدتها على التوسع. وبالتالي، يلعب قياديي الأعمال دوراً رئيسياً كعامل تحفيز للنمو الاقتصادي على المدى الطويل في جميع أنحاء المنطقة.
نواصل في شركة الهلال للمشاريع العمل مع المبادرات المماثلة وتشجيعها، وذلك انطلاقاً من إدراكنا أن توفير بيئة قوية وقادرة على الصمود لريادة الأعمال في المنطقة يعتمد على اتخاذ الحكومات والقطاع الخاص على عاتقهما مسؤولية التعاون والعمل المشترك لضمان دعم رواد الأعمال بشكل كافٍ من خلال برامج الإرشاد وفرص التواصل والحصول على التمويل.
وإلى جانب الدعم العيني والإرشاد، يجب علينا أيضاً الاهتمام بالدور الذي يؤديه رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة في التأثير في الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. ومن أجل ذلك، يجب على الشركات الناشئة والصغيرة أن تسعى إلى النمو من كونها “طالبة للحلول” إلى “مزودة للحلول” في نطاق الاستدامة والحوكمة الأوسع. وتسعى مبادرة “بيرل”، وهي مؤسسة غير ربحية قمت بتأسيسها مع عدد من أصحاب الأعمال والرؤساء التنفيذيين في المنطقة للمساعدة في إيجاد ثقافة تجارية تسودها الشفافية والمساءلة، إلى نقل هذه الرسالة المهمة من خلال برنامج حوكمة الشركات للشركات الصغيرة والمتوسطة الذي نعمل على إطلاقه هذا العام. وفي أغلب الأحيان، لا تدرك الشركات الصغيرة والمتوسطة أهمية الحوكمة المؤسسية الرشيدة في نجاح أعمالها، وكم تتيح لها من فرص لتأمين التمويل، وللحد من المخاطر، ولزيادة قيمة أعمالها، وذلك إذا اتبعت تلك الشركات تدابير جيدة لإرساء أفضل الممارسات في هذا المجال في وقت مبكر. ويسعى هذا البرنامج إلى الوصول للشركات الصغيرة والمتوسطة في وقت مبكر للحد من تأثير تحديات الحوكمة على المدى الطويل، والتي نشهد تأثيرها على الشركات القائمة في جميع أنحاء منطقتنا اليوم.
- هل تعتبر ريادة الأعمال مفتاح الحل لمشكلة البطالة بين الشباب في العالم العربي؟
يتعين على الحكومات والأعمال في المنطقة إدراك الميزة التي نتمتع بها في هذا المجال، والاستثمار في حلول تمكننا من تسريع عملية التحول. نحن في حاجة إلى تنمية منظومة لريادة الأعمال لا تقتصر على توفير فرص جديدة للشباب فحسب، بل تساعدنا أيضاً في إيجاد منتجات وعلامات تجارية جديدة تفيد وتثير اهتمام بقية العالم. كما نحتاج إلى تحسين القدرات الاستثمارية في المنطقة، وذلك من خلال الشركات التي تتمتع بقدرات إبداعية وأساسات مستدامة، ما يمكننا من النمو والازدهار في ظلّ اقتصاد يشهد العديد من التحديات. وقد قمنا في شركة الهلال للمشاريع، على سبيل المثال، بتطوير حاضنة الأعمال المؤسسية “الهلال للمشاريع الناشئة”، والتي تركز على بدء وتطوير شركات واعية اجتماعياً ومدفوعة بالتقنيات التي تغير الطريقة التي ينظر فيها العالم إلى وطننا العربي.
وحتى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك العديد من الفرص لتطوير المواهب والابتكارات. وتعد شركة “غزة سكاي جيكس” Gaza Sky Geeks ، مسرع الأعمال المدعوم من القطاع الخاص، مثالاً حياً عن هذه الفرص. إذ تبدع هذه الشركة أفكاراً رائعة، إلى جانب توفير الأمل لمجتمع منكوب نتيجة النزاعات من خلال التكنولوجيا. واليوم، عبرت ابتكارات “غزة سكاي جيكس” الحدود بنجاح، ما يثبت قدرة التكنولوجيا على لعب دور مهم في تحقيق التوازن حتى في أصعب البيئات.
وعلاوة على ذلك، أؤمن أن الابتكار التكنولوجي يحدث دائماً عند التقاء العلوم بالفنون. فلا يخفى على أحد أن الثورة في الإبداع والابتكار التي شهدتها العصور الذهبي كعهد هارون الرشيد وأبنائه خلال القرن الثامن والتاسع كانت نتيجة تقدير الفنون والعلوم الإنسانية بصفتها عناصر جوهرية للتقدم العلمي، وكان “بيت الحكمة” الذي يعد الجامعة الأولى في العالم، التجسيد الحي لهذا الاعتقاد. وقد حصلت الثورة نفسها في عصر النهضة في أوروبا بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، حيث ترافقت الثورة الثقافية مع ثورة في مجال الاكتشاف العلمي. وينبغي ألا ننسى أبداً الدور المهم الذي تلعبه الفنون خلال الثورة الصناعية الرابعة التي نشهدها الآن، وأن منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما دول مجلس التعاون، تتمتع بمكانة فريدة يتيح لها استلهام الأمثلة العظيمة من ماضينا وتطبيقها اليوم.
- تتغير طبيعة العمل مع الثورة الرقمية التي يشهدها العالم بوتيرة متسارعة. ما هي أهم المهارات الجديدة اللازمة للازدهار في المستقبل القريب؟
وفي الحقيقة، فإن أكثر من ثلث المهارات التي تعتبر مطلوبة ومهمة اليوم لن تكون كذلك في غضون بضع سنوات من الآن، ولكن ستبقى أهمية القدرات التحليلية القوية والتفكير النقدي والإبداع والمهارات الاجتماعية. ويجب على الاقتصادات العالمية أن ترى في ذلك فرصة لتعزيز مهارات القوى العاملة الحالية، وفرصة لاستثمار الموارد بهدف تطوير المواهب الجديدة. وتتأخر الثورة الصناعية الرابعة في منطقتنا في الحقيقة بسبب نقص المهارات في السوق، وما هذا إلا دليل على أن التحول التكنولوجي الناجح غير ممكن دون الاستثمار في المجتمع وأفراده.
ويجب على هذه التدخلات أن تبدأ مبكراً، حتى على مستوى المدارس الابتدائية، إلى جانب تحفيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات. وعلى سبيل المثال، تعد مادة البرمجة جزءاً إجبارياً من منهاج الحوسبة في المناهج الدراسية الوطنية في إنكلترا، ويتم تعليم الأطفال بدءاً من الخامسة من عمرهم كيفية البرمجة. ويعتبر ذلك تحولاً كبيراً عما نعرفه ونفهمه، ولذلك فإن الحكومات وقطاعات الأعمال والأوساط الأكاديمية جميعها في حاجة ماسة إلى تعزيز الإبداع والابتكار الذي يتيح للمجتمعات القدرة على التطور والتقدم.
- أنت من دعاة ريادة الأعمال الاجتماعية لسنوات عديدة حتى الآن. لماذا تنظر إليها بعين الاهتمام؟ وكيف يمكننا إدراجها في نظم التعليم؟
لدى كل من الحكومات والأعمال فرصة هامة للتفاعل الحقيقي مع الطلبة، ليقدموا لهم مثالاً يحتذون به يبرهن لهم أنهم يستطيعون أن يصنعوا التغيير حتى في ظل تحديات البطالة والصراعات واستنفاد الموارد وغيرها من التحديات. ولنتمكن من تحقيق هذا التبادل، أطلقت مبادرة “بيرل” تعهد قطاع الأعمال، وهو في الأساس التزام عام للشركات الخليجية يهدف إلى اعتماد الممارسات المستدامة. واتفق المدراء التنفيذيون الذين وقعوا على التعهد على أن يجتمعوا سنوياً مع طلبة الجامعات في المنطقة ليناقشوا معهم إنجازات شركاتهم خلال السنة المنصرمة في ظل هذا الالتزام. وفي رأيي، سيمكّننا نقل الخبرات وتبادل القيم المشتركة هذا من إحداث تغيير جذري في أنظمة التعليم، والحض على التغيير الهادف على المدى الطويل.