تقدم وايز أسبوعياً مجموعة من أحدث الأخبار والأفكار المختارة من وسائل الإعلام والمدونات المختصة ومؤسسات الفكر والرأي من جميع أنحاء العالم، وذلك في محاولة إلى التعرف على أفضل الحلول والممارسات الهادفة إلى مواجهة التحديات التي تثقل قطاع التعليم حول العالم.
في عدد هذا الأسبوع، سنتطرق إلى موضوع التعليم في سن الطفولة المبكرة والأساليب والسياسات التعليمية الأكثر نجاحا في تحفيز الأطفال على التعلّم. سنوضح من خلال التجارب الحكومية في بريطانيا والبحوث البسيكولوجية الحديثة في أمريكا الدور الحقيقي الذي تلعبه الحضانة في تعليم الأطفال وتحضيرهم للمدرسة والجامعة. سنوضح أيضا الدور الأساسي الذي يؤدّيه اللعب في بناء المهارات التعليمية والاجتماعية لدى الأطفال.
تعتبر مرحلة الطفولة المبكرة من أهم مراحل بناء الشخصية وتنمية المهارات لدى الأفراد، لذلك، يحاول الباحثون وعلماء النفس وصناع القرار اليوم تحديد الطرق الأكثر فعاليّة لرفع مستوى التعليم في الحضانات وتحفيز الأطفال على التعلّم من خلال محاولة الإجابة على السّؤال المفصليّ: “ما هو النظام التعليميّ المناسب لذوي الأربع سنوات؟ وكيف يجب أن تكون التجربة التعليمية الأولى للأطفال؟”
يوضح أور إيوينغ (Orr Ewing)، مدير موقع “Keystone Tutors” البريطاني أن هناك نظرية متداولة خاطئة تروّج أنه كلّما كان الطفل أصغر سناً، كان تعليمه أسهل. ويؤكد إيوينغ أن الحقيقة عكس ذلك، وأنّ التجربة التعليمية الأولى التي يمرّ بها الطفل تلعب دوراً أساسياً في تحديد موقفه وإقباله على التعلّم مستقبلاً. فإذا مرّ الطفل في سنّ مبكرة بتجربة تعليميّة مقلقة أو محبطة، قد يكون لذلك نتائج سيئة ومضرّة جداً، إذ يمكن للتلميذ أن يقرن عملية التعليم بالتوتر والبؤس مدى العمر. وقد أتى تصريح إيوينغ في صحيفة التلغراف البريطانية رداً على ظاهرة التعليم الخصوصي في سن مبكرة التي باتت متفشية أخيرا في بريطانيا. فبحسب غرايامي باتون (Graeme Paton)، محرر قسم التعليم في صحيفة التلغراف، تشهد بريطانيا اليوم ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد الأطفال الذين يتمّ إلحاقهم بالتعليم الخصوصي. وقد حدّد باتون أن أطفال بريطانيين يتلقون دروساً خصوصية منذ سن الثالثة وذلك لتحسين فرصهم في الدخول إلى مدارس ابتدائية رفيعة المستوى. ويحذّر أور إيوينغ إلى أنه يجب فرض حدّ أدنى لسن تلقي الدروس الخصوصية (7 سنوات) على ألّا تتعدّى الدروس المرة الواحدة في الأسبوع للأطفال الصغار، وأن تهدف إلى تحقيق هدف معيّن ولا تكون ذات نمط متواصل. ويؤكد بعض الأساتذة البريطانيين أنّ سياسة الإفراط في الدروس الخصوصية قد تعطي الأطفال دفعة وجيزة للنجاح في امتحانات الدخول إلى المدارس الابتدائية المرمروقة ولكنّها تتركهم بعد ذلك ليكافحوا من أجل مواكبة المتطلبات الأكاديمية للدروس.
ويشاطر معلّمو الحضانة في الولايات المتحدة الأميركية وبالأخص ولاية نيويورك مخاوف أساتذة بريطانيا بما يخصّ الضغط الذي يتعرّض له التلاميذ من أجل تحقيق نتائج جيدة خلال السنوات الأولى من الدراسة الابتدائية. إذ بدأت ملامح هذا الضغط بالتأثير على نوعية التعليم في الحضانة من حيث زيادة كمية الفروض المنزلية واختبارات المهارات وغيرها من أساليب التعليم غير الملائمة لنموّ الأطفال الصغار. واستجابة لهذه المخاوف، قامت جامعة بانك ستريت للتعليم (Bank Street College of Education) بحسب جريدة نيويورك تايمز بتدريب أربعة آلاف أستاذ حضانة في نيويورك. وقد أشارت الصحيفة إلى أنّه بالاستناد إلى الباحثتان الأميركيتان دافنا باسوك وآنا روريم المتخصصتان في السياسات التعليمية في جامعة فرجينيا، يوجد أدلّة قويّة أنّ صفوف الحضانة تعتمد كثيراً على الأساليب التوجيهية. وقد أكّدت الباحثتان أنّ التركيز على المهارات التعليمية الضيّقة يقلّص وقت اللّعب والاستكشاف والتفاعل الاجتماعي المتاح للأطفال. وقد توصل العالمان إدوارد ميلر وجون ألمون في بحثهما “أزمة في الحضانة” الذي قاما به لحساب “اتحاد من أجل الطفولة” (Alliance for Childhood) عام ٢٠٠٩ إلى نتائج مشابهة إذ أشارا إلى أنّ متطلبات وضغوطات المناهج التوجيهية التي يفرضها مدراء المدارس تقود المعلمين إلى تفضيل بناء المهارات الأكاديمية على اللعب. ويؤكّد صحافيّا الـ نيويورك تايمز شاييل بولاكو سورانسكي (Shael Polakow-Suransky) ونانسي ناغر (Nancy Nager) أنّه ليس من الضروري الاختيار ما بين اللعب والنجاح الأكاديمي. ويشير الصحافيان إلى أن الكثير من البالغين يظنون أن اللعب والتعليم أمران مختلفان، إلا أن الحقيقة عكس ذلك. فمن خلال اللعب، ينمي الأطفال العديد من المهارات الفكرية، اللغوية، الاجتماعية والعاطفية، إذ يقومون بالاستكشاف وبناء المعارف والتجارب اللغوية والحسابية ويتعلمون كيفية التفاعل مع الآخرين وحلّ المشاكل بأساليب مقبولة اجتماعياً. كما تقول باربرا بايبر، أحد كتاب نظريات بانك ستريت، أنّ اللعب يؤمن البيئة المناسبة للأطفال من أجل تنمية المهارات الضرورية للنجاح في الحياة. وقد وجدت عالمة النفس في جامعة بنسيلفانيا أنجيلا داكوورث أنّ تنمية مهارات تنظيم وضبط الذات تبدأ في عمر الحضانة وتلعب دورا حاسما في تحديد نجاح الطالب أو فشله مستقبلا وبخاصة أطفال العائلات ذات الدخل المحدود.
وقد أدركت الحكومة البريطانية منذ عدّة سنوات الأهمية الكبرى التي يحتلّها التعليم المبكّر في تحديد مستقبل الأطفال، الأمر الذي دفعها إلى تعميم سياسة الحضانة المجانية بهدف رفع مستويات العطاء الأكاديمي لدى الأطفال. بالرغم من ذلك، تشير صحيفة الـ بي بي سي البريطانية إلى أنّ صفوف الحضانة المجانية التي أمنتها الدولة بدوام جزئي لم تؤدي إلى نتائج إيجابية طويلة الأمد، وذلك بالاستناد إلى دراسة قامت بها جامعة سوري (University of Surrey) بالتعاون مع جامعة أسكس (University of Essex) ومعهد التعليم (Institution of Education). وقد ركزت الدراسة على التعليم المبكر في بريطانيا بين العامين 2002 و2009. وأشارت الدراسة إلى أن سياسة تعميم الحضانة المجانية لم يؤدي سوى إلى تحسين الآداء الأكاديمي للأطفال الفقراء و أنّ التحسن المذكور ليس كفيلا بإغلاق الفجوة الأكاديمية الواقعة بين الأغنياء والفقراء على المدى الطويل. ويرجّح الباحثون أنّ السبب وراء هذه النتائج المحدودة يعود إلى أنّ غالبية التلاميذ، وبالأخص أبناء العائلات الميسورة اقتصاديا كان لا بدّ لهم أن يتسجلوا في الحضانة حتى لو لم تكون الصفوف مجانية. ويؤكد نيل ليتش ، المدير التنفيذي لتحالف التعلم في الحضانة على ذلك مضيفا أنّ هذه النتائج لا تعني أنّ التعليم المبكر في حد ذاته له تأثير محدود ولايجب تفسيرها كذلك.