وقد تناولت الجلسة عددا من الأسئلة المفصلية كان أبرزها كيفية ردم الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات الأنظمة الجامعية، وضرورة إشراك القطاع الخاص في عملية تصميم المناهج المدرسية من خلال عقد شراكات مع القطاع التعليمي من مدارس وجامعات، وفعالية التركيز على تشجيع استراتيجيات التوظيف الذاتي وريادة الأعمال إضافة إلى استعراض الحلول الفعالة التي تسمح بخلق فرص عمل كافية للأعداد المتزايدة من الشباب في سنّ التوظيف.
وفيما يتعلّق بردم الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات الأنظمة الجامعية، وضّحت السيّدة عائشة المضاحكة أنّ مشكلة نقص المهارات تبدأ مبكرا وأنّه لابدّ من التصدّي لها منذ عمر صغير من خلال تعليم الأطفال في المدارس الابتدائية والشباب في المدارس الثانوية مهارات متعددة كالليونة والقدرة على التأقلم والحسّ النقدي، والسعي نحو التنافس والإبداع والاستعداد لسوق العمل. وأشارت السيّدة المضاحكة أنّ اكتساب هذه المهارات في عمر صغير يسمح للشباب بتطويرها فيما بعد وباكتساب المزيد من المهارات الحياتية والعمليّة. وأنّه لا بدّ في هذه المرحلة من تدخّل منظمات غير حكومية ومؤسسات خاصة لدعم وتشجيع الشباب على ممارسة ريادة الأعمال وتزويدهم بمهارات تطبيقية إضافية كأسس التفاعل مع السوق والتعامل مع الزبائن. وأكّدت السيّدة المضاحكة أنّه لا بدّ من النظر إلى التعليم كعمليّة تطوير مستمرّ تمتدّ مدى الحياة وأنّ استمرار هذه العمليّة يتطلّب جهودا مشتركة من جميع الجهات الفاعلة المعنيّة بتنشئة الطالب اجتماعيا ومهنيا من المدرسة إلى أصحاب العمل مرورا بالجامعة والجمعيات غير الحكومية ومؤسسات التدريب دون أن ننسى الشاب الباحث عن وظيفة نفسه. وقد أكدّ السيّد خالد الخضير على أهميّة هذه النقطة الأخيرة وصحتها مشيرا إلى أنّ الشباب في العالم العربي عامّة وفي الخليج خاصّة يفتقرون إلى التجارب الحياتية التي تثقل شخصية الفرد وتعدّه لمواجهات الحياة بمختلف عقباتها ومصاعبها. كما أشار إلى أنّ هذا النقص في الخبرة الناتج عن العرف والتقاليد الاجتماعية التي تميل إلى المبالغة في حماية الأبناء يدفع الشباب إلى تكوين توقعات غير دقيقة حول طبيعة العمل وواقعه. وأضاف السيّد الخضير أنّه على أصحاب العمل أن يبدأوا بالاستثمار في تهييئ الشباب لسوق العمل كما عليهم العمل عن قرب مع الحكومات والجامعات من أجل إطلاعهم على فرص العمل المتوفرة ومساعدتهم على توجيه الشباب نحو الاختصاصات المناسبة. وبيّن السيّد الخضير أنّ الشركات الكبيرة والصغيرة في المنطقة تعاني من مشكلة مشتركة تتمثل في ضعف استراتيجيات التواصل وبناء العلامة التجارية التي تمكّن الشباب من التعرّف على مختلف فرص العمل المتوفرة ضمن المؤسسة الواحدة.
على الرغم من موافقته على جميع ما تقدّم، أشار الأستاذ ربيع عطايا إلى أهميّة تعريف التباين في المهارات قبل النظر في كيفية معالجته. فبالاستناد إلى الأبحاث التي يقوم بها موقع بيت.كم، لقد تطوّر تعريف تباين المهارات على مدى السنوات الخمسة عشر الماضية. ففي عام 2000 كان التباين في المهارات يعود إلى ضعف في التواصل بين أصحاب العمل والشباب إذ أنّ الشباب لم يكونوا قادرين على إيجاد المعلومات اللازمة بخصوص فرص العمل من جهة وأرباب العمل لم يكونوا قادرين على إيجاد المعلومات اللازمة بخصوص المهارات المتوفرة في السوق من جهة ثانية. وقد نشأ موقع بيت.كم كنتيجة مباشرة لهذا الواقع ومثله عدد كبير من المواقع التي باتت تفتح المجال أمام تدفق سلس وواضح للمعلومات بين طرفي المعادلة حتّى اختفى التباين في المعلومات تاركا المكان لفجوة جديدة. ففي عام 2015 يمكننا أن نقول بكل صراحة أنّ التباين الجديد يتجلّى على مستويين اثنين: المستوى الأوّل وهو عدد الوظائف المتاحة مقابل عدد الشباب الباحثين عن عمل حيث نواجه حالة تقليدية من ارتفاع في العرض (الشباب) مقابل انخفاض جذري في الطلب (الوظائف)، أمّا المستوى الثاني فيتمثل بعدم تمتّع الشباب الباحث عن عمل بالمهارات والسلوكيات المطلوبة من قبل أصحاب العمل وغالبا ما تتعلّق هذه المهارات بالقيادة والتواصل والحسّ النقدي وغيرها من السمات والميّزات غير المعرفية. بناء على ذلك، يمكن للحلول المقترحة من قبل السيدة عائشة المضاحكة والسيد خالد الخضير معالجة الشق الثاني من المعادلة فيما يبقى الشق الأوّل والمتمثل في الشحّ في فرص العمل المتوفرة. ولم يختلف المتحدثون الثلاث على أنّ ريادة الأعمال هي الحلّ الأنسب لخلق فرص العمل الناقصة وأنّه لا بد من مساعدة وتعليم وتشجيع الأفراد على إنشاء أعمالهم الخاصة من أجل تحقيق ذلك. وقد وضّح السيّد عطايا أنّ المنطقة العربية تتميّز بثقافة ريادية أصيلة إذ أنّ العرب بالأصل هم أصحاب مشاريع حرّة صغيرة وأنّ النزعة نحو إيجاد وظيفة ثابتة و”آمنة” هي حديثة العهد وأنّها بدأت تتزعزع اليوم في ظلّ الأزمة الاقتصادية مع فقدان هذه الوظائف صفة “الأمان” و”الثبات”.
وفي نهاية الجلسة، تطرّق المشاركون إلى موضوع “توظيف المرأة في الشرق الأوسط” مؤكّدين أنّه غالبا ما يتمّ الإشارة إلى هذه المنطقة وكأنها كيان متجانس واحد دون التفكّر في الفروقات الدقيقة التي تميّز كلا من بلاد الخليج العربي وبلاد الشام ومنطقة شمال إفريقيا والتي تجعل واقع العمل والتعليم مختلفا في كلّ منها. إذ أشارت السيّدة عائشة المضاحكة أنّه على الرغم من وجود بعض العقبات والتحديات الاجتماعية، تشكل النساء في قطر على سبيل المثال 51% من القوى العاملة. وبيّنت السيّدة المضاحكة أنّ هذا الواقع لا يعني أنّه لا حاجة لقطر بالقيام ببعض التغييرات على مستوى سياسات العمل الخاصة بالمرأة إذ لا زالت هذه الأخيرة تعاني من قصر إجازة الأمومة وتحتاج إلى مزيد من الليونة في العمل مما سيسمح لها بالتميّز واستثمار جميع طاقاتها. كما أشار السيّد ربيع عطايا إلى أنّه على الرغم من مواجهتها لتحديّات في مجال العمل، تشعر المرأة العربية أنّ هذه التحديّات هي تحدّيات عالمية تشترك فيها جميع النساء ولا تختصّ بها الأسواق الفردية المحلية. ففي مسح قام به موقع بيت.كم على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بهدف استطلاع نظرة المرأة إلى وضعها في العمل بالمقارنة مع نظيرتها في الغرب، أكّدت 75% من النساء اللواتي تمّ استطلاعهنّ أنّهنّ يرون أنفسهنّ على قدم سواء مع نظيراتهنّ الغربيات إن لم يكن حالهنّ أفضل!