كيف تتجلّى الفجوة بين مرحلة التعليم الثانوي ومرحلة التعليم العالي في العالم العربي؟
وتؤكد محصلات الدراسة أنّه خلال مرحلة التعليم الثانوي، لا يتمّ تجهيز الطلاب بالمهارات اللازمة لتمكينهم من الانخراط مباشرة في معاهد التعليم العالي والجامعات. بل إنّ المرور بمرحلة انتقالية وسيطة بات أمرا حاسما من أجل ضمان تزويد الشباب بالكفاءات والمهارات اللازمة لتحقيق النجاح في المستقبل. وغالبا ما يؤدي ذلك إلى خسارة الطلاب سنة دراسية إضافية إما لتعلّم اللغة الإنجليزية، أو للانضمام إلى دورات التحضير للجامعة أو امتحانات الـ SAT.
ما هي الأسباب الكامنة وراء الفجوة بين مرحلة التعليم الثانوي ومرحلة التعليم العالي في العالم العربي؟
إذن، الآن وقد برهنا وجود فجوة بين المهارات المكتسبة في المرحلة الثانوية ومتطلّبات المرحلة الجامعية في العالم العربي عامة ومنطقة الخليج خاصة، بات من المنطقي التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا التفاوت لا سيّما في ضوء ارتفاع قيمة الانفاق على التعليم في دول الخليج العربي. إذ تنفق دول مجلس التعاون الخليجي نسبا عالية من ناتجها المحلي الإجمالي (4-5٪) على قطاع التعليم الذي من المتوقع أن يلعب دورا أساسيا في الاقتصاد المستقبلي للمنطقة. في الواقع، يتم استثمار ما يعادل الـ 150 مليار دولار أميركي على قطاع التعليم سنويا، وبالرغم من ذلك لا يزال الطلاب يفتقرون إلى المهارات الأساسية للدخول إلى مؤسسات التعليم العالي. في ظلّ هذا التناقض الحاصل، لا بدّ من البحث في أسباب الخلل والجذور الحقيقية لهذا التفاوت.
كثيرة هي الجهات المعنيّة بتوفير العمليّة التعليمية وتحقيق الاستفادة منها، ومن الممكن النظر في مسؤولية كلّ من هذه الجهات في تغيير الوضع الراهن وتحسينه. إذ يملك الطلاب وأولياء الأمور والمعلمون والحكومات وحتى القطاع الخاص التزاما مشتركا تجاه ضمان جودة التعليم الذي يحصل عليه الطالب في جميع سنوات تعليمه الثانوي.
نظم التعليم في العالم العربي تفتقر إلى مهارات القرن الحادي والعشرين
وقد تمّ في الآونة الأخيرة تسخير العديد من الدراسات للبحث في مهارات ومتطلبات القرن الحادي والعشرين. وحددت هذه المهارات وعرّفت بالاستناد إلى إشكالات مشتركة بين معظم دول العالم. كما صنّفت ضمن ثلاث فئات رئيسية هي التالية: مهارات القراءة والكتابة الأساسية، والكفاءات العامّة، ومهارات بناء الشخصية (هيلتون وبيليغرينو، 2012). والمثير للدهشة هو أنّ خريجي الثانوي في المنطقة العربية يحرزون نتائج متدنيّة في كلّ من هذه الفئات الثلاثة، إذ يفتقدون إلى مهارات الكتابة والقراءة والحساب الأساسية والمهارات العلمية والمعارف التأسيسية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وثقافة المواطنية والتنشئة المدنيّة! كما يفتقرون إلى التفكير النقدي ومهارات حل المشاكل والإبداع، ومهارات التواصل والتعاون التي تقع ضمن خانة الكفاءات العامّة. وهم لا يعربون عن أي فضول، أو عن حس للمبادرة والمثابرة، ولا يتحلّون بالقدرة على التكيف والقيادة ولا يملكون الوعي الاجتماعي والثقافي.
هناك أكثر من 600 مدرسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، و300 مدرسة في قطر، و240 مدرسة في البحرين، وغيرها الكثير في المملكة العربية السعودية والكويت وسلطنة عمان. في “إدوكيشين زون” (Education Zone) نحن مهتمون جدا بجمع المعلومات الوافية عن نظم التعليم المتّبعة في في كل من هذه المدارس. إذ تتيح لنا هذه المعرفة مراقبة وتحليل المهارات التي يكتسبها الطلبة داخل كلّ من هذه الأنظمة المختلفة ومطابقتها مع مجموعة المهارات المطلوبة من الطلاب في مراحل التعليم العالي عامّة. ومن خلال بحثنا الدائم، استنتجنا أنه من الممكن إغلاق الفجوة المستمرة بين نظم التعليم في العالم العربي عامة ودول مجلس التعاون الخليجي خاصة من خلال إدخال نماذج جديدة للتدريس. ويشكل النظام الألماني لرودولف شتاينر مثالا نموذجيا للأنظمة المبتكرة التي تتيح للطلاب إمكانية اكتساب وتعزيز مهارات القرن الحادي والعشرين.
في الختام، في حين تواصل الحكومات الخليجية الاستثمار في إصلاح أنظمتها التعليمية، حان الوقت لندرك أننا لن نتمكن من تحقيق أي عائد ما لم نعالج الخلل الفعلي الواقع في النظام التعليمي. وأنا واثقة أننا جميعا نتفق أنّ أطفالنا يستحقون واقعا تعليميا أفضل من المتاح لهم في الوقت الحالي.