وقد اعتمدت الدراسة منهجية البحث الكمي عبر الانترنت لجمع آراء وخبرات 2319 شخصا من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد تكوّنت العيّنة المدروسة من 282 امرأة شابة عاملة، و797 امرأة شابة في طور البحث عن عمل، و1240 فردا من أصحاب القرار في قسم التوظيف داخل شركاتهم. وقد أرسل استطلاع الرأي إلى منتسبين إلى منصة يوجوف (YouGov) وأفراد مسجلين في قواعد بيانات مؤسستي بيت.كم (Bayt.com) والتعليم من أجل التوظيف (EFE) وذلك في الفترة الواقعة بين السابع والثلاثين (7-30) من شهر يونيو 2015.
وتشير نتائج الدراسة إلى أنّه بالرغم من أنّ الشباب والشابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يواجهون صعوبات مشتركة تتمثّل في انخفاض حاد في معدلات النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، وانخفاض جودة التعليم العالي وعدم توافقه مع متطلبات سوق العمل، وصعوبة التوفيق بين الدراسة الأكاديمية النظرية القائمة على الحفظ لا على الفهم وضرورة اكتساب المهارات العملية وآداب العمل اللازمة لتأمين فرص العمل والمحافظة عليها، وأنظمة المحسوبية والواسطة الراسخة في المجتمع وغيرها، إلّا أنّ وطأة هذه العوامل غالبا ما تكون أشدّ على الإناث التي تواجه أيضا حواجز إضافية أثناء انتقالها إلى سوق العمل. فقد أشارت نتائج الاستطلاع إلى أنّ عوامل عدّة أخرى، غير مستوى التحصيل العلمي، تؤثر على إمكانية دخول المرأة سوق العمل. فعند بحثهنّ عن عمل، تتشكل تجربة الشابات بفعل عوامل خارجية مثل توافر الفرص، وسهولة الوصول إليها ومستوى الراتب. كما تتأثر كلا عمليّتا البحث عن وظيفة والتوظيف بتصورات الشابات من جهة وأصحاب القرار التوظيفي من جهة أخرى.
ومن أهمّ حواجز التوظيف التي تطرقت إليها الدراسة والتي ذكرتها الشابات المستطلعات في فئة الباحثات عن عمل: توقع صاحب العمل أن المرأة ستتوقف عن العمل عندما تبدأ في تكوين أسرة، والحاجة إلى ساعات عمل مرنة، وعدم توفّر المواصلات وصعوبة التنقل، وانخفاض الرواتب. كما أظهرت الشابات قلقهن تجاه عدم التمتّع بأخلاقيات العمل كالالتزام ووضع الأهداف والتركيز وإدارة الوقت. من جهة ثانية، أشار أصحاب العمل إلى وجود تباين بين المهارات التي تكتسبها الشابات أثناء الدراسة وتلك المطلوبة في مجال العمل إذ لا يكمن النقص في المكتسبات العلمية والنظرية بل في المهارات العمليّة والحياتية، وشدد أصحاب العمل بشكل خاص على انعدام الثقة بالنفس بين فئة الشابات والذي يشكل بالنسبة لهم أحد أهمّ العوائق أمام التوظيف. وقد أكدّ أصحاب العمل إلى أنّ أهمّ السمات التي يبحثون عنها عند التعاقد مع المواهب الشابة هي المثابرة والعمل الجاد، والصدق، وروح الفريق والثقة بالنفس والذكاء. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الشابات وعلى الرغم من ذكرهنّ عدم الحصول على دعم ولي الأمر والحاجة إلى بيئة عمل غير مختلطة وإلى مشرفات إناث من بين العوامل غير المحفزة لدخولهنّ ميدان العمل، إلّا أنّ هذه العوامل لم تندرج في مقدمة العوائق أو أكثرها اعتبارا.
من جهة أخرى، لوّح الاستطلاع إلى وجود سوء توافق بين السياسات المطبقة من قبل أرباب العمل لتشجيع توظيف الشابات والسياسات والمزايا المرجوة من قبل الشابات العاملات وقد تضمنت هذه المزايا: ساعات عمل مرنة، والقدرة على العمل من المنزل، وتوفير مرافق الحضانة أو الرعاية للأطفال، وتوفير المشرفات الإناث. وأكّدت الدراسة أنّه لا يمكن لهذه المزايا والسياسات أن تحقق غايتها إلا إذا استجابت لحاجات الشابات الحقيقية.
وأكّدت الدراسة أنّ مسؤولية رفع مستوى مشاركة المرأة في سوق العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقع على كلّ من أصحاب العمل والجمعيات غير الحكومية والمتبرعين والنساء أنفسهنّ، كما نوّهت إلى أربعة سبل من شأنها المساعدة في تحقيق ذلك. فبحسب نتائج الاستطلاع لا بدّ أوّلا من التركيز على الاستجابة لحاجات الشابات من خلال توفير المزايا والسياسات المطابقة لتطلّعاتهنّ وزيادة الاستثمار فيها وزيادة المعاشات والرواتب وتأمين سبل المواصلات الآمنة ومكافحة فجوة المعلومات من خلال التأكّد من أنّ الشابات على دراية بتوفّر جميع ما ذكر سابقا. ثانيا، لابدّ من تعزيز مسارات الشابات الوظيفية من خلال تدعيم المبادرات غير الحكومية وتحسين أثرها ونطاق عملها وإبراز دورها وريادتها، وزيادة فرص التدريب المهني وربطها بسوق العمل، والتنويه بأهميّة العلاقات الشخصية في المساعدة على إيجاد وظيفة ومكافحة التفضيل بحسب الجنس. ثالثا، لا بدّ من تجهيز الشابات الباحثات عن العمل بالمهارات الحياتية والعملية والتوقعات المناسبة المتعلّقة بمكان وظروف العمل. رابعا، لا بدّ من زيادة الطلب على الموظفات في مكان العمل وإذاعته، ففي العقود المقبلة، ستدخل حوالي 50 مليون امرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سن العمل، وبالإضافة إلى توفير الكرامة والاستقلال المالي لهنّ، فإنّ رفع نسبة مشاركتهنّ في القوى العاملة لتتساوى مع المستويات المحليّة لمشاركة الذكور يمكن أن ينتج مكاسب اقتصادية هائلة. ومن أجل تحقيق التغيير المستدام على نطاق واسع، فمن المهم أن تعترف الشركات بالفوائد المؤسسية والقيمة الاقتصادية التي ترافق توظيف الشابات.