يعتبر المواطنون العالميون أنفسهم جزءًا من مجتمع عالمي نشأ بسرعة نتيجة لتزايد التواصل المتبادل والاعتماد المشترك بين الناس والبلدان. إن المواطن العالمي يدعم القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية لهذا المجتمع وهي القيم التي اقترنت بقادة عالميين على مدى قرن مضى من الزمان. وتشمل هذه القيم حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، ورعاية البيئة والتنمية المستدامة، والحد من الفقر ومحدودية الدخل، والحكم الرشيد، والسلم والعدالة على الصعيد العالمي. وتنعكس هذه القيم في العدد المتزايد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويمكننا لمس القيم الشخصية والأخلاقية لمجتمعنا العالمي في جميع التقاليد الفلسفية العظيمة للبشرية. شريف عبد الله، في كتابه “عالم صالح للجميع” يعلق قائلا إن هذه التقاليد تتقاسم قيما عالمية مثل الحب والسلام ونبذ العنف والعدالة والعفو والتسامح.
وللمواطن العالمي حقوق وعليه واجبات ومسؤوليات فيما يتعلق بعضويته في المجتمع العالمي. وترد حقوق المواطنة العالمية في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي وقعته العديد من البلدان العام 1948. وهي مبينة في مواد الإعلان الثلاثين التي تستند إلى قيم الحرية والمساواة والإنصاف. وبطبيعة الحال ورغم ذلك لا يزال بالإمكان اعتقالك تعسفيا ومعاقبتك على نحو غير عادل من أجل دعمك الحقوق المكرسة في الإعلان العالمي. ولكن هناك تزايدا في ترسانة القوانين الدولية التي يمكن أن تقيم عليها دفاعك، وعددا كبيرا من المؤسسات القانونية الدولية الراغبة في الاستماع إلى قضيتك.
وللمواطن العالمي مسئوليات معينة تجاه مجتمعنا العالمي، تماما مثل كل المواطنين في المجتمعات المحلية والإقليمية. ويحتاج المواطنون على جميع المستويات إلى الوفاء بهذه المسئوليات والالتزامات إذا ما أرادوا الحياة في مجتمعات صحية تتميز بالاستدامة. وتشمل مسئولياتهم على الصعيد العالمي: فهم المرء لنفسه وكذا فهمه لوجهة نظر الآخرين؛ وحماية مبدأ التنوع الثقافي؛ وإقامة روابط وبناء علاقات اجتماعية ومهنية مع أشخاص من بلدان وثقافات أخرى؛ وفهم السبل التي ترتبط بها شعوب العالم وبلدانه فيما بينها ووسائل اعتمادها على بعضها بعضا؛ وفهم القضايا العالمية الرائدة وتأثيرها على البيئات المحلية؛ والدعوة إلى ممارسة المواطنة العالمية في البلدان المختلفة، ولا سيما تنفيذ الاتفاقات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
والمواطنة العالمية لا تحول دون التمتع بجنسية بلد ما. والواقع أنه نظرا لعدم وجود حكومة عالمية، فإن جميع المواطنين العالميين تقريبا هم مواطنون مزدوجو الجنسية – جنسية بلدانهم الأصلية والجنسية العالمية.
ومن المهم أن نلاحظ أن الأفراد ليسوا هم الحامل الوحيد للمواطنة العالمية؛ فتزايد الترابط والاعتماد المتبادل بين البلدان يعني أن المنظمات، وخاصة الحكومات، في حاجة هي أيضا إلى أن تتمتع بالمواطنة العالمية. ويتعين على القادة الوطنيين دعم ممارسة المواطنة العالمية لبلدهم من خلال التعاون مع زعماء بلدان أخرى في الجهود الرامية إلى معالجة المشاكل العالمية التي لا يمكن لأي بلد أن يجد لها حلا بمفرده، مشاكل من قبيل: تغير المناخ وحقوق الإنسان والفقر. وعدم المساواة في الدخل، والسلام العالمي والعدالة.
ومما يؤسف له في الوقت الراهن أن العديد من البلدان تتراجع حاليا عن الالتزام والمشاركة العالمية، فهي منقادة لمجموعة جديدة من الزعماء الشعبويين الذين يستحضرون صورة مخيفة عن العالم الخارجي، ويرفضون الاعتراف بوجود مجتمع عالمي. ويلقي هؤلاء القادة الشعبويون الجدد باللوم على قوى العولمة والتجارة الحرة والهجرة ويعتبرونها أصلا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بقطاعات ريفية وفقيرة في بلدانهم. وبالنسبة لهم كل بلد مسئول عن نفسه ولنفسه فقط.
ومن الصحيح أن على اتفاقيات التجارة الحرة بذل المزيد من الجهود لحماية حقوق العمال، وأن على سياسات الهجرة تعزيز القوى العاملة في البلاد والتمسك بالوظائف القائمة. بيد أن هذا لا يعني أن نلقي بعيدا بالتجارة الحرة والفوائد التي توفرها لملايين الناس أو أن نضع حدودا أمام المشردين من بلدانهم بسبب الصراعات الأهلية والفقر المدقع وتغير المناخ، والذين يمكنهم إضافة قيمة ومهارات جديدة إلى بلداننا.
إن بلدان وشعوب كوكب الأرض تتشابك بصورة متزايدة وإن مصائرنا ترتبط ارتباطا وثيقا ببعضها البعض، إن الشعبوية الوطنية اليوم ليس لها مكان بيننا وعليها أن تذوي في مواجهة هذه الحقيقة. والحاجة الأكثر أهمية الآن هي الاستجابة لواقع الترابط العالمي، وبناء مجتمع عالمي مستدام للجميع وعدم إقامة جدران عازلة. هذه هي مهمة المواطنين العالميين والغرض من وجوب بناء المواطنة العالمية.