تقدم لكم “وايز” أسبوعياً مجموعة من أحدث الأخبار والأفكار المختارة من وسائل الإعلام والمدونات المختصة ومؤسسات الفكر والرأي من جميع أنحاء العالم. وذلك في محاولة إلى التعرف على أفضل الحلول والممارسات الهادفة إلى مواجهة التحديات التي تثقل قطاع التعليم. موضوع عدد هذا الأسبوع حول لغة الضاد والعلوم.
شارك فريق وايز بجانب جمع من الخبراء اللغويين والديبلوماسيين والإعلاميين والباحثين والكتاب في الاحتفالية التي أقيمت في اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية. وحيث أقيمت أنشطة ثقافية متنوعة تشمل ندوات وعروضاً احتفاء باللغة العربية تحت شعار «تعزيز انتشار اللغة العربية». وقالت المديرة العامة لليونسكو السيدة إيرينا بوكوفا بهذه المناسبة: «ويبّين إحتفاؤنا باللغة العربية في ١٨ديسمبر من كل عام إقرارنا بمساهمتها العظمى في إثراء العلوم والثقافة العالمية، ومنها الفلسفة والآداب والفنون.»
تعد اللغة العربية من أكثر اللغات شيوعا فهي مستعملة لدى ما يزيد عن 425 مليون نسمة وفقًا لدراسة لمنظمة الأمم المتحدة. وعلى الرغم من انتشارها الواسع فهي لغة موغلة في القدم مما يدفع الى التساؤل الطبيعي عن مدى قابلية العربية للتكيف مع تحديات العصر. نستضيف في هذا الصدد الباحث الأكاديمي والمستشار سياسي السعودي الغني عن التعريف، سعادة الدكتورعبد الله بن موسى الطاير، في حوار حول الموضوع.
- إلى أي حد تستطيع اللغة العربية أن تستوعب التطور الفكري والعلمي؟
سعادة د. عبدالله بن موسى الطاير: أثبتت اللغة العربية أنها لغة مطواعة وثرية بحيث تتمكن من التماهي مع العصر ومتغيراته. اللغة العربية التي كانت أدواتها القصيدة في مخاطبة الرأي العام من على منبر سوق عكاظ وفي موسم الحج بمكة، هي ذات اللغة التي خاطبنا بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ونزل بها القرآن الكريم، وهي نفسها التي استعملتها البشرية لقرون عدة إبان العصر الذهبي للحاضرة الإسلامية كلغة العلم بلا منازع في شتى الفنون من رياضيات وفيزياء وكيمياء والهندسة وفلسفة الخ وهي نفسها اللغة التي نتواصل بها في شبكات التواصل اليوم. اللغة كائن حي يتطور ويتأقلم ويتفاعل مع ظروفه.
ففي مجال الادب والشعر على سبيل المثال، العربي لا يحتاج إلى معجم ليفهم مفردات قصائد امرؤ القيس، بل يقرأ ويستمتع وتتحرك مشاعره ويتفاعل شجاه مع القصيدة بحسب خبرته. وهو الحال مع المعلقات السبع أو العشر فمازالت مقروءة حتى اليوم، ويتغنى بها المطربون، ويفهمها المتلقون في العموم بيسر. وبالمقارنة مع اللغة الإنجليزية فإن لغة شكسبيرالذي عاش بعد امرؤ القيس بأكثر من عشرة قرون لم تعد مفهومة بالقدر الذي كانت قبل أربعة قرون. هناك كلمات اختفت البتة، وأخرى اكتسبت معاني جديدة.
- هل يمكن أن تتحول اللغة العربية إلى لغة للتفكير وإنتاج العلم، بدلا من الاعتماد فقط على الترجمة ومحاولة استيعاب الظواهر العلمية الجديدة المنتجة في لغات أخرى؟
سعادة د. عبدالله بن موسى الطاير: اللغة العربية لغة عبقرية تحمل في جيناتها أدوات اشتقاقية ساهمت الى ابعد الحدود في جعلها أثرى لغة عرفتها البشرية من حيث عدد جذور كلماتها (ست عشرة ألف جذر مقابل ألفي الى ثلاثة ألاف جذر عند معظم اللغات الحية الأخرى مع ذهاب بعض الباحثين إلى ضعف هذه العدد) أشتق منها ما يزيد على 12 مليون كلمة حسب بعض المراجع في حين لا تتجاوز معظم اللغات الغربية مائة الف كلمة باستثناء اللغة الإنجليزية التي تعد أثراها على الاطلاق اذ يحتوي معجمها على ما يناهز النصف مليون كلمة. فاللغة العربية اذا لغة غنية مطواعة وجد دقيقة ساهمت لقرون عدة في نقل المعرفة البشرية نقلة نوعية جعلتها حلقة وصل بين الحضارات القديمة التي ترجم المسلمون للعربية معظم معارفها ثم أثروها لقرون عدة و الحضارة الغربية التي اقتبست من التراث العلمي الإسلامي الشيء الكثير خلال عصر الأنوار منه ما ضل يدرس في الجامعات الغربية لغاية القرن التاسع عشر ككتب ابن سينا في الطب و الخوارزمي في الرياضيات وابن الهيثم في الفيزياء. وبقي لموروثهم السبق والفضل حتى عصرنا الحاضر.
فاللغة التي نمارسها هي نفسها التي تفكر بها، وإذا استخدمنا اللغة العربية في جميع شؤون حياتنا اليومية علمية أو شخصية أو مهنية فإننا بدون شك سوف نفكر بها، وننتج بها. ولا يجب أن نحمل اللغة العربية أعباء أو مسؤوليات التراجع الفكري والركود العلمي للعرب في عصرنا هذا، فهي وعاء ووسيلة لنقل الإنتاج سواء اكان ماديا أو فكريا ولن تعجز عن نقله.
ستلاحظين أن البعض عندما يتكلمون العربية تتفلت منهم مفردات أجنبية تكون أسرع في التعبير عن المعنى، ذلك ليس بسبب عجز العربية، وإنما لأن اللغة الأجنبية مسيطرة على تفكيرهم بكثرة استخدامها فتكون أسبق في التعبير عن المعنى. فالمشكلة ليس في العربية وإنما في العرب.
- إلى أي حد تستطيع اللغة العربية مقاومة مد اللهجات التي ما فتئت تكتسح المدرسة والإعلام فضلا عن الفضاءات العامة؟
سعادة د. عبدالله بن موسى الطاير: اللهجات ليست حديثة، ولا تختص باللغة العربية ومجتمعاتها، ولكنها أكثر وضوحا داخل البيئة العربية. وهي قديمة، بقدم اللغة، وربما ساعد على تشكلها طبيعة البيئات المعزولة داخل الجزيرة العربية، وهي كانت بمثابة اللغات آنذاك. ولا يجب أن نشغل أنفسنا بوجود اللهجات من عدمها، ولكن يجب أن يقتصر الخطاب الموجه للرأي العام الذي يتجاوز حدود اللهجة على العربية الفصيحة المشتركة التي يفهما العرب من المحيط إلى الخليج.
أكثر ما تبرز فيه سيادة اللهجات هو في الشعر الشعبي، أو النبطي، وهو أمر طبيعي لأن العربي بطبعه شاعر، فزهير بن ابي سلمى، والنابغة، وطرفة بن العبد، وغيرهم كتبوا الشعر بلغات قومهم، فهي بمثابة اللهجات حينها، وكانت للغة قريش المشتركة القول الفصل فيما يعلق من تلك القصائد على جدران الكعبة. لا أحد يستطيع أن يمنع شخصا من أن يقول شعرا وفق أدواته التعبيرية المتاحة، ولكن نملك أن نحث الناس على صقل لغتهم العربية المشتركة لتكون أقرب من اللهجات في التعبير عن مشاعرهم.
- كيف يمكن التوفيق بين ضرورة الحفاظ على اللغة العربية كلغة أصيلة، وبين إكراهات الانفتاح والمرونة التي يطرحها استيعاب المستجدات على مستوى كافة مجالات المعرفة الإنسانية؟
سعادة د. عبدالله بن موسى الطاير: الأمر ليس مستحيلا، ومثلما يحافظ الصينيون واليابانيون والفرس على لغاتهم القومية يمكن لنا أن نسلك نفس الطريق. الصيني يقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويتحدث بالصينية ويجبر بقية الوفود على استخدام الترجمة لفهمه. وكذلك يفعل المتحدثون باللغة العبرية الذين لا يزيد عددهم عن بضعة ملايين في العالم، بينما يقف السياسي العربي متحدثا بإنجليزية أو فرنسية مكسرة من أجل أن يقال إنه يفهم لغات أجنبية، وأنه متحضر. الفرق الوحيد بيننا وبين غيرنا هو مستوى احترامنا للغتنا.
مشكلة اللغة العربية هي في المتحدثين بها وليس في ذات اللغة.
- هل هناك جهود أكاديمية ورسمية لتوحيد المصطلحات العلمية، على المستويين الأكاديمي، والمدرسي؟
سعادة د. عبدالله بن موسى الطاير: نعم، هناك جهود وبعضها غير معروف أو غير معلن عنه بشكل جيد، ولكن هناك من يعمل على موضوع المصطلحات.
وقبل أكثر من 30 عاما أجريت تحقيقا صحفيا شارك فيه عدد مميز من الأطباء والمهندسين والعلماء العرب، وسألتهم عن موضوع المصطلحات وهي تمثل إشكالية في اللغة العربية؟ اتفق الجميع على أن المصطلحات لا تمثل أكثر من 5% من لغة الطب، وأن بقية اللغة مثلا يمكن أن تكون لغة عامة لا تحتاج كثير عناء للترجمة.
وتثبت الدراسات العلمية أن تعلم العربي لعلوم الطب والهندسة بلغته العربية يسهم في سرعة التعلم والتميز لأنه إذا تعلمها بلغة غيرلغته الأم يقضي وقتا معتبرا في فهم اللغة من خلال ترجمتها إلى العربية، ومن بعد ذلك يستوعب المفهوم العلمي لها. وهذه عملية معقدة تشتت ذهن المتعلم. وهذا لا يعني أنه ليس بحاجة إلى لغة ثانية ولتكن الإنجليزية مثلا لمتابعة التطورات العلمية في مجاله والتي تصدر في معظمها بتلك اللغة.