والآن الواقع الافتراضي (VR) والذكاء الاصطناعي (AI) يكتسبان المزيد من الاهتمام، وهو ما كشفه تقرير صدر حديثا عن (Pearson) يوضح كيف أن الذكاء الاصطناعي سيحول مسار التعليم بشكل إيجابي في السنوات المقبلة. ووفقا لهذا التقرير فإن “المستقبل يقدم المزيد من الإمكانات والأدوات والدعم. تخيل رفيق تعلم دائما ومدعوما بالذكاء الاصطناعي يصاحب ويساعد المتعلمين طوال وقت الدراسة داخل وخارج المدرسة. أو تخيل أشكالا جديدة للتقييم تقيس المستوى وتقوم بتشكيل تجربة التعلم أثناء العملية نفسها”. في الواقع، لا تزال الكلفة الكبيرة تحديا وعائقا لكن اليوم الذي ستصبح فيه أدوات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي متوافرة وسهلة المنال مثل الهواتف الذكية وأجهزة الحواسب ليس ببعيد.
تلعب الآلات الذكية دورا رئيسا في تقديم المعرفة وثيقة الصلة بالموضوع والمعدة خصيصا لجمهورها من المتعلمين، في المكان والزمان المطلوبين. على سبيل المثال، تقوم شركة “كونتنت تيكنولوجيز”، وهي شركة أمريكية لبحوث وتطوير الذكاء الاصطناعي، بالاستفادة من مزايا التعلم العميق لتوفير كتب ذات مواصفات ملائمة وتتناسب مع المتعلم. ومن هذا المنطلق أصدرت الشركة (Cram101) و(JustFact101) لتحويل الكتب التعليمية التي عفى عليها الزمن إلى كتب ذكية وثيقة الصلة بالغاية التعليمية مما يجعل وقت الدراسة فعالا.
وعلاوة على ذلك، فإن عملية التعلم تتحول الآن إلى تجربة أخاذة تغمر المتعلمين حقا داخل وخارج الفصول الدراسية. وبصفتي أمينة مؤتمرات، أقوم بتصميم أنشطة تجريبية تستوعب وتستغرق المشاركين بها وتزودهم بتجربة لا تنسى، وتعطيهم رغبة قوية للعودة في العام التالي.وبوصفي معلمة، أعتقد أن نفس الإستراتيجية لديها القدرة على تحفيز الإبداع والمشاركة والحصول على نتائج تعلم مبشرة من طلابي. ولعقود طويلة من الزمن، اقتصر التعلم التجريبي على التجارب العلمية في مختبرات مدرسية قديمة أو أثناء أنشطة العطل الصيفية. لكن الآن مع وجود تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي أصبح للتعلم التجريبي أو التدريبات العملية معنى جديدا.
هناك مجموعة متنوعة من أدوات الواقع الاصطناعي من ضمنها ” مايكروسوفت هولولنس” (HoloLens) و”أوكولوس ريفت” (Oculus Rift) و”جوجل إكسبيديشن” (Google Expedition) تقوم بتحويل وترجمة الدروس التقليدية إلى تجارب ذات معنى في العالم الحقيقي. تخيل غرفة مليئة بالطلاب يقومون باستكشاف حطام السفينة “تيتانيك” أو يشاهدون الديناصورات وهي تتجول حولهم أو يقومون برحلات استكشافية لنهر الأمازون أو حتى يهبطون ببساطة على سطح القمر وكأنهم رواد فضاء – فيا لها من قفزة عملاقة في التعليم!
“إننا نبتعد رويدا رويدا عن تقليدية ‘تعلم’ موضوع ما إلى ‘الشعور’ بمحتوى الموضوع. هذه ليست مجرد أدوات تشاركية أو حتى حيلة من الحيل بل هي أدوات تسمح للطالب بالاستكشاف، وباختبار والانخراط في شيء ما، كما لو كان حاضرا بالفعل في المكان أو البيئة محل الدراسة” هذا ما صرح به مؤخرا جريم لاوري، مدير الابتكار والتوعية في مدرسة “سيفين أوكس” (Sevenoak) والتي يقع مقرها في المملكة المتحدة. والطلاب ليسوا المستفيدين الوحيدين من كل هذه التكنولوجيات.
وتساعد نظم الدروس الخصوصية الذكية مثل “تعلم كارنيغي” أو “تعلم الفضاء الثالث” المعلمين على التحرر من “منهج واحد يناسب الجميع”، فهذه المنصات التي تعتمد مقاربة واحد-واحد تستفيد من البيانات الكبيرة وتحليلات التعلم لتزويد المدرسين بمعلومات ارتجاعية فورية وآنية حول أداء الطلاب ونقاط قوتهم أو ضعفهم. وهذه المعلومات الارتجاعية تعاون المعلمين في تحديد احتياجات التعلم الدقيق والنقص الذي يعاني منه كل طالب في المهارات وكذا تقديم إرشادات إضافية.
لقد سمعت كثيرا الخبراء يقولون إن “التكنولوجيا تزيد المعلمين السيئين سوء، لذلك ليس هناك أدنى محل من الشك في أننا بحاجة إلى مواصلة الاستثمار في التدريب والتطوير المهني. ولا يمكن للآلة أن تحل محل المعلمين البشريين ولكنها يمكن أن تنقذهم من الانهيار والانسحاق تحت ضغوط العمل”. هل تتذكرون جيل واتسون آلة التعليم الذكية التي كانت تساعد أشوك غول أستاذ التكنولوجيا بجامعة جورجيا؟ إنها مثال حي على كيف ستساعد الأجهزة الذكية المدرسين في الانتقال من مرحلة إلقاء المحاضرات على جمهور الطلاب إلى مرحلة الإرشاد والتوجيه الشخصي.
ووفقا لتوماس أرنيت، مؤلف في (معهد كريستنسن) فإنه “بدلا من النظر إلى التقدم التكنولوجي على أنه تهديد، على المعلمين ورواد التعليم الاستفادة من الطرق العديدة التي يمكن أن تعزز بها التكنولوجيا عملهم”. ويؤمن أرنيت بأن “الأتمتة” ستساعد على تبسيط مهام التدريس الأساسية ومساعدة مديري المدارس على التصدي للتحديات الرئيسية التي تواجه التعليم الجيد – أي الاختلافات في جودة المعلم، واحتياجات الطلاب المتعددة، والتوقعات الإضافية المنتظرة من المعلمين.
كتب أرنيت في تقريره (التدريس في عصر الآلة) قائلا “إن الابتكارات التي تحول بعض عناصر خبرة المعلم إلى أجهزة حقيقية وواقعية، توفر أيضا الأدوات اللازمة لزيادة فعالية كل المعلمين المخضرمين وغير المخضرمين والارتقاء بهم إلى آفاق جديدة والتكيف مع الأولويات الجديدة لنظام التعليم وقوة العمل في القرن الحادي والعشرين”.
وفي هذا التقرير فصل أرنيت أيضا القدرات الممكنة للذكاء الاصطناعي في مجال تطوير وتنمية معلمين ذوي إمكانات عالية. يقول: “يمكن للباحثين تحديد المعلمين عالي الجودة بأثر رجعي استنادا إلى ملاحظات المعلم، واستجابات الطلاب في الاستطلاعات، ودرجات اختبار الطلاب لكنهم أقل نجاحا بكثير في تحديد خصائص المعلمين الفعالين أو إلقاء الضوء على مسار واضح لإعدادهم وتطويرهم”.
والأمر الأكثر أهمية، بالإضافة إلى إتقان المحتوى، فإن المعلمين سيكونون قادرين على مساعدة طلابهم في تطوير المهارات غير المعرفية التي تشتد الحاجة إليها في القرن الواحد والعشرين مثل الثقة والإبداع. وقد يبدو للبعض أن ما أعرضه وأنقله في هذا المقال مفرطا في التفاؤل.
وفي الواقع فإن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ليست حلولا سحرية للتحديات التقليدية المنهجية. والذكاء الاصطناعي قد لا يكون في نهاية المطاف القفزة العملاقة القادمة في عالم التعليم وسيجلب معه بالطبع مشاكله وعيوبه الخاصة. لكن دعونا لا نتجاهل نقاط قوته الكامنة التي يمكن أن تساعد في معالجة الثغرات الصارخة في التدريس والتعلم والتي لا نزال نكافح للتغلب عليها منذ عقود.
هذا المقال نشر في الأصل على فوربس.