ولد فارس عام ٢٠١٠، في عالمٍ متصلٍ إلكترونياً، لم يعرف الحياة من دون إنترنت أو لوح رقمي أو هاتف ذكي أو حاسوب. عالم فارس يختلف عن العالم الذي ولد فيه والديه، حيث شهدا الطفرة الإلكترونية وأدركا الفرق ما بين العالم قبل التكنولوجيا وما بعدها، وشتان ما بين هذين العالمين المختلفين. لذلك، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذه الفجوة ما بين العالمين عند التعامل مع الطفل المعاصر. وعلينا أن نتعرف على أهم خصائص بيئته وتأثيرها عليه:
خصائص عالم اليوم
١. البيئة الإلكترونية:
يستخدم الأطفال التكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى، حيث أفادت الأبحاث بأن الأطفال يقضون 48 دقيقة من يومهم باستخدام الأجهزة المتنقلة، مما يمثل ضِعف الوقت الذي كانوا يقضونه في عام 2013 والذي قدّر بحوالي الخمسة عشر دقيقة. كما أشارت ذات الدراسة بأن الأطفال دون الثماني سنوات يقضون 35% من وقت الشاشة باستخدام الأجهزة المحمولة (اللوح الرقمي، الجوال) في 2017، أي ضعف الوقت المدون في دراسة عام 2013. بالإضافة إلى أن 42% من الأطفال دون الثماني سنوات يمتلكون لوحاً رقمياً خاصًا بهم مما يزيد الاستهلاك للتكنولوجيا.
ولّد هذا الاحتكاك أثراً على طريقة تعلم الأطفال. بداية، أقرّت الدراسات بأن الألعاب الإلكترونية (والمحتوى الإلكتروني بشكل عام) مصممة لتحاكي اهتمامات الأطفال، مما يجذبهم للتَركيز لفترات طويلة نسبياً. ناهيك، عن تعدد الخيارات المتوفرة بين أنامل الأطفال. فتخيل مدى التنافس بين هذه الخيارات لاستقطاب اهتمامهم لفترات طويلة. وتخيل أيضاً، مدى الصعوبة على المدارس (وطرقها التقليدية) على دخول حلبة المنافسة هذه والفوز باهتمام الطالب. فلما الاستعجاب من تململ الأطفال خلال الحصة المدرسيّة للغة العربية أو عند إتمام واجبها المنزلي.
٢. بيئة متعددة اللغات:
٢.١ معايشة لغات أخرى
تشير الدراسات بأن عدد الأطفال الذين يتعلمون لغتين أو أكثر في ازديادٍ مستمر- خصوصاً في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ويُعايش الطفل العربي عصراً تعددت فيه اللغات من حوله منذ نعومة أظافره. تشير الإحصائيات بأن 90٪ من الدول العربية تدّرس لغة أجنبية مع اللغة العربية ابتداءً من المرحلة الابتدائية (انظر إلى الجدول أدناه). بالإضافة إلى المدارس الدولية التي تدرس العربية كلغة ثانية، مما ينوه بإتقان هؤلاء الطلاب للغة أخرى غير اللغة العربية.
جدول #1: الدول العربية والمرحلة الأكادمية عند البدء بتقديم الغات الأجنبة
٢.٢ اللغة العربية كلغة ثانية
هناك شريحة لا يستهان بها من الأطفال العرب يقطنون في بلاد المهجر الذي يتناول تعليم اللغة العربية كلغة ثانية. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصائيلت بوجود 419890 من الذين يعتبرون اللغة العربية لغتهم الأم في كندا، ولكن 223540 يتحدثونها في منازلهم. ومن المتعارف عليه في بلاد الغرب إرسال الأطفال لتعلم اللغة العربية مرةً أسبوعياً.
ونلاحظ أيضا تزايد عدد الناطقين بغير اللغة العربية المهتمين بتعلم اللغة العربية. ولاحظنا أيضًا: (1) تزايد عدد المسلمين في العالم (حيث يمثل المسلمين 24% من سكان العالم) (2) إدراج مادة اللغة العربية كلغة ثانية في بعض المدارس الحكومية في بلاد الغرب، كما تم في بعض مدارس منطقة إيدمينتون في كندا.
٢.٣ اللغة العربية كلغة الأم
يجدر بالذكر، أن الطفل العربي يواجه ما يسمى بازدواجية اللغة، أي أن عليه تعلم مستويين من اللغة: العامية والفصحى. فأول أربع أو خمس سنوات من حياته يتواصل باللهجة العامية إلى أن يصل إلى المدرسة وعندها يبدأ بتعلّم اللغة العربية الفصحى والتي لا تتماشى (بشكل دقيق) مع ثقافته الاجتماعية. مما يؤدي إلى تضارب في الثقافات اللغوية. وتشير استفتاءات معلمي رياض الأطفال إلى أن هذا التضارب يشكل حاجزاً ما بين الطفل وتعلم اللغة العربية بشكلٍ سلس.
التدابير الحالية للتعامل مع التحديات العصرية
تستخدم الرسوم المتحركة حاليا مع برامج الأطفال التلفيزيونية كوسيلة لتقديم اللغة العربية الفصحى للطفل قبل دخوله المدرسة. وقد تعددت الآراء حول فعالية المشاهدة لإحراز الأهداف المنشودة. أما بالنسبة لاستخدام الألعاب الإلكترونية، فقد أثبتت دراسات إديوتكنوز أن استخدام ألعابها ومصادرها الإلكترونية المتماشية مع المناهج المحلية لمدة 20 دقيقة أسبوعيا يحرز ارتفاعاً في علامات الطلاب بمعدل 34%.
وبالرغم من مساعدة البرامج التلفزيونية والألعاب الإلكترونية لسد ثغرة الازدواجية اللغوية، نحن بحاجة لحلٍ جذريٍ مناسبٍ لجميع المشاركين بالعملية التعليمية. علينا أن نرتقي من التركيز على رفع العلامات الأكاديمية إلى تحقيق #نقلة_نوعية_لترميم_القراءة بهدف إنشاء جيل محب للُغته، محب للقراءة، متذوق للأدب ومعتز بهويته.
في المقال القادم، سنخوض في معالم تحديات أرض الواقع التي تعيق تعليم وإتقان اللغة العربية. فعلينا فهم هذه التحديات أولاً لنستطيع الاجتهاد لإيجاد حلول جذرية وفعالة لتحقيق #النقلة_النوعية_لترميم_القراءة والنهوض بلغة الضاد.