ريادة الأعمال: معبر جديد للمرأة العربية نحو الفاعليّة الاقتصادية

القيادة والنظام المحيط بالتعلّم March 04, 2015

يصعب علينا اليوم الإشارة إلى حدث تاريخيّ واحد وتعيينه على أنّه نقطة انطلاق جميع الحركات النسائيّة وحملات الكفاح للدفاع عن حقوق المرأة حول العالم. لكن ما نعرفه حقا هو أنّ العالم، منذ ما يناهز القرنين من الزمن، أخذ يُوَجَّه تدريجيا نحو تبنّي وقبول تصوّر جديد للمرأة ودورها في المجتمع. فمنذ منتصف القرن التاسع عشر، إرتفعت أصوات من مختلف دول العالم مطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة وحقّ هذه الأخيرة في العمل والتصويت، والتدريب المهني وشغل الوظائف العامة والأجور العادلة والمتساوية وغيرها من الحقوق الطبيعيّة والمدنية والعائليّة. وإن كانت المعاهدات والاتفقيّات الدوليّة والقوانين الوضعية المحليّة المقرّة بحقوق المرأة في عدد كبير من الدول الدليل الملموس على وصول هذه الأصوات وتمادي صداها اليوم، إلّا أنّ حقبة نضال النساء لإحقاق المساواة و التمتع بكافّة حقوقهنّ لم تنتهي بعد.

في عام 2005 صرّح الأمين العام للأمم المتحدة بانكي مون أنّه “منذ أن قررت الدول الأعضاء في مجلس الأمم المتحدة توثيق إيمانهم بضرورة إحقاق المساواة بين الرجال والنساء على الصفحة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة قبل 60 عاما”، أظهرت الدراسات أنّه “ليس هناك أداة للتنمية أكثر فعاليّة من تمكين المرأة “.

فالحقيقة أنّ المرأة قد تكون من أكثر أعضاء المجتمع قوّة وتأثيرا وذلك في المجتمعات النامية والمتقدّمة على حدّ سواء. ولا يمكن، بل لايجب الاستخفاف أو الاستهزاء بما يمكن أن يكون لتعليم وتمكين المرأة من آثار وتداعيّات على المجتمع بحاله. فالمرأة في المجتمعات لها أدوار مختلفه فهي الجده والأم والابنه والأخت، هي ربّة الأسرة ومربيّة الأجيال ومعلّمتهم. بيدها إنشاء جيل من الشباب المثقف، المنفتح، المتمتع بالصحة الجسديّة والعقليّة والنفسيّة السويّة. كما بيدها إنشاء جيل متداع من الشباب المنغلق، المتطرّف الرافض للآخر والمريض صحيا. هي امرأة قادرة على تحقيق ذاتها واستقلالها الفكريّ والماديّ والمعنوّي ما ينعكس إيجابا على بيئتها العائليّة وأساليب التربية وإدارة أمور المنزل. أو امرأة مضطهدة، مجرّدة من أبسط مظاهر الإنسانيّة. وتعتبر المرأة في عديد من المجتمعات الشرقية والغربية النصف المكمّل للرجل. إلّا أنّها قد نجحت على مرّ العقود الأخيرة أن تبرهن أنّ هذا التكامل لا يتحقق على الصعيد الشخصيّ والأسريّ فحسب بل أيضا على الصعيد الاجتماعيّ وفي ميدان العمل والسياسة والاقتصاد وإدارة الأعمال وغيرها. وبالنتيجة، أكّد عدد كبير من الدراسات والبحوث أن دور المرأه في العمل يساعد على تنمية الاقتصاد و زيادة الدخل القومي السنوي وهو عامل أساسي للتقدم الاقتصادي الوطنيّ والعالمي. وقد أصبح هذا الدور أكثر أهمية، وحصل على أبعاد جديدة في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي ضربت العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص. وعلى الرغم من ارتفاع استثمار القطاع العام في التعليم في العديد من الدول العربيّة ما زالت نسبة مساهمة المرأة ضمن القوى العاملة لا تتعدّى الـ25% في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (البنك الدولي، 2013). مما يعني أنّه على الرغم من ارتفاع الاستثمارات في تعليم المرأة، والتي من شأنها أن ترفع الإمكانات الإنتاجية لكل امرأة وقدرتها على الكسب، ما زالت عائدات هذا الاستثمار ضعيفة جدّا. وتسجّل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أعلى معدّلات البطالة حول العالم (16%) نصفهم من الشباب وكثير منهم من النساء. وبغض النظر عن التقديرات المختلفة والمتفاوتة حول بطالة الشباب والنساء، فجميع الأرقام تشير إلى التحدّي المتعاظم الذي يواجه الدول العربية من أجل تأمين فرص العمل للشباب. وفي ظلّ تلكؤ الدول العربية وتأخرها في إيجاد ووضع الحلول، نرى أنّ الشباب العربي بدأ يتجه تدريجيا نحو ابتكار الحلول الخلّاقة خاصّة من خلال ريادة الأعمال. وقد بدأت نساء عربيّات من مختلف الدول تخط طريق الريادة لغيرهنّ عبر عدد من المشاريع الناجحة والملهمة نذكر في ما يلي عددا منها في رسالة لتشجيع المرأة العربية على الإبداع وإظهار الصورة الحقيقيّة للمجتمع النسائي العربي الكامن وراء الصور المشوّهة والمحرّفة.

ديان الريان من السعودية ، مؤسس شركة عتيق
أطلقت ديان مبادرة “تروشيه” لدعم النساء السعوديات المحتاجات إلى الدعم المادي. وتروشية كلمة مركبه من مقطعين: “تراش” بمعنى مخلفات و”كروشية” بمعنى خياطة. وتعتمد فكره هذه المبادرة على إعادة تدوير أكياس النايلون وتحويلها إلى منتجات ابداعية كالحقائب والسلال وغيرها. وقد ساعد هذا المشروع في القضاء على بطالة المرأه عن طريق إيجاد فرص عمل جديدة والحفاظ على البيئة من المخلفات وابتكار صناعات محلية وأسر منتجة.

دينا فاضل، مؤسس شركة “جود” لتصميم الاكسسوارات المنزلية
تعتمد فكرة المشروع على تحويل المنتجات التقليدية الى أغراض مبتكرة وخلق فرص عمل من خلال الفن والتصميم. بالاضافه الى انشاء شركة “جود” قامت دينا بإنتاج بلاط الحمامات والمطابخ بالتعاون مع مصانع سيراميك.  وحققت شركتها أرباحا واستطاعت تكوين  فريق عمل يساعدها على نجاح المشروع.

ليلى شرفي، المغرب العربي، “مايكروسوفت من أجل أفريقيا”
تعمل الفنانة والمهندسة التونسية على تنمية ثقافة ريادة الأعمال في تونس وأفريقيا. وقد ساعدت من خلال مشروعها على ايجاد نموذج لريادة الأعمال بما يتناسب مع البيئة المحلية في تونس. تعمل ليلى على استقطاب الشركات الناشئة عن طريق التواصل مع الجامعات والمنظمات الاقتصادية. وتركز أيضا من خلال مشروعها على ريادة الأعمال الاجتماعية لتشجيع أفراد المجتمع على ابتكار فرص عمل جديدة.

تبرز هذه التجارب الثلاث أنّ المرأة العربيّة كغيرها قادرة على الابتكار والمساهمة في تطوير العجلة الاقتصادية عبر ريادة الأعمال والريادة الاجتماعية، الأمر الذي يسهم في تحقيق النموّ الاقتصادي من جهة وإيجاد فرص العمل لمحاربة بطالة الشباب من جهة أخرى. ومن خلال هذه النماذج الثلاث يتضح حجم دور المجتمع والدولة ممثلّة بالجهات السياسية المعنيّة في توفير البيئة المناسبة للمرأة من أجل تشجيعها على الابتكار والريادة ما يمكنّها من المساهمة في دفع عجلة التقدم والاقتصاد.